وأقم الصلاة | 4 | ليلة الضيافة الربانية

Cover Image for وأقم الصلاة | 4 | ليلة الضيافة الربانية
نشر بتاريخ

هي في الأداء خمس والثواب خمسون.

من سويْداء القلبِ النَّبوي الشريف، وبلسانه الصَّادق تصاعدت صلواتُ المناجاة إلى الربِّ الرحيم في شأن هذه الأمة، تضَرُّعات: “أعوذ بنورِ وجهِك الذي أشرقَت له الظُّلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبَك، أو يحِلَّ علي سَخَطُك”. وتعالت مناجاة: “لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”. فكانت الرحمة الإلهية، والعناية الربانية مجسدة في حادثة الإسراء، ليلة الضيافة الربانية.

ليلة تعلم الوضوء…

ليلة زيارة بيت المقدس…

ليلة إمامة الأنبياء عليهم السلام  في الصلاة…

ليلة العروج إلى السماوات العلا…

ليلة الهدية الربانية للحبيب المصطفى ولأمته صلى الله عليه وسلم.

فيا أيها الدعاة المصلحون!

ويا أيها الشباب الطاهرون!

إذا تكاثرت عليك الهُموم، وأثقلتْك مهَمَّات الدعوة، وكِدت تستلم لليأْس من استجابة الناس، فتذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي أوذِيَ فصَبر، وظُلم فصابر، يرجو الرحمة لأمته، ويتحمل الأذى في سبيل الله، فتأتيك البشارة والفرَجُ، إذ ما كان للمولى أن يكِل عباده الصَّادقين لأنفسهم، بل يرعاهم ويؤويهم، ويزيدهم من فضله. أَلَيْسَ اَ۬للَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ (الزمر 35).

فسبحان الكريم، يسري بعبده المحبوب إلى السماوات العلى، ويُهديه وهو في رحابه الهَدية العظمى الصلاة. الصلاة عماد الدين.

“إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم: أيهم هو؟ فقال أوسطهم: هو خيرُهم، فقال آخرهم: خُذوا خيرَهم، فكانت تلك اللَّيلةُ، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى… فلم يكلِّموه حتى احتملوه فوضَعُوه عند بئر زمزم، فتولاَّه منهم جبريل، فشَقَّ جبريل ما بين نحْره إلى لبَّته حتى فرغ من صدْره وجوْفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفَه، ثم أتي بطَسْت من ذهب فيه توْر من ذهب، محشُوا إيماناً وحكمةً، فحشا به صدرَه ولغَاديده (يعني عروق حلقه)، ثم أطبقه. ثم عرَج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد. قالوا: وقد بُعث إليه؟ قال: نعَم. قالوا: مرحباً به وأهلا به، يستبشِر به أهلُ السماء لا يعلم أهلُ السَّماء بما يريد الله به في الأرض حتى يُعلِمهم.

ثم انطلق القلبُ الطاهر في معارج السماء إلى الهَدِّية الكبرى له ولأمته صلى الله عليه وسلم. ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك آدم فسلم عليه، ورد عليه آدم فقال: مرحبا وأهلا بابني، نِعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال: “ما هذان النهران يا جبريل؟ “قال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك أذفر فقال: “ما هذا يا جبريل؟” قال: هذا الكوثر الذي خبأ لكَ ربُّك.

ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبا وأهلا وسهلا… كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، وفي السابعة بتفضيل كلام الله. فقال موسى: “رب لم أظن أن يرفع علي أحد”…

ثم علا به فوق ذلك، بما لا يعلمه إلا الله، عز وجل، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه فيما يوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة. ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبَسه موسى فقال: “يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟” قال: “عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة”، قال: “إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم”، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أنْ نعَم، إن شئت. فعلا به إلى الجبار تعالى، فقال وهو في مكانه: “يا رب، خفف عنا، فإن أمتي لا تستطيع هذا” فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبَسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات. ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: “يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا، فضعُفوا فتركوه، فأمتُك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك: “كلُ ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة فقال: “يا رب، إن أمتي ضعفاءُ أجسادُهم وقلوبُهم وأسماعُهم وأبدانُهم فخفِّف عنا” فقال الجبَّار: “يا محمد، قال: “لبَّيك وسعديك”، قال: إنه لا يبَدَّل القولُ لدي، كما فرضْت عليك في أمِّ الكتاب: “كل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك”، فرجع إلى موسى فقال: “كيف فعلت؟” فقال: “خففَ عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها” قال موسى: “قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتَركوه، فارجع إلى ربِّك فليخفف عنك أيضا”، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يا موسى قد، والله، استحييت من ربِّي مما أختلف إليه” قال: “فاهبط باسم الله”، فاستيقظَ وهو في المسجِد الحرام” 1.

ما حياة المومن إلا صلاة بعد صلاة، وبينهما سعي وصلاح، سعي في الأرض لعمارتها، وبين الناس لهدايتهم، حتى إذا نادى المنادي: “حي على الصلاة، حي على الفلاح” عرجتَ من واقعك المحيط بك إلى حضرة القرب من المولى، وأنت تستحضر  ما تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى، ثم استضَافه الكريم في حضرته، ثم تعود كما عاد صلى الله عليه وسلم، قويا أمينا داعيا سراجاً منيرا.

تتجددُ فيك الحياةُ الإيمانية، وتسمو بك الخصالُ النبوية، خصالُ: “صلوا كما رأيتموني أصلي” لتعود تمشي في الناس بنُور من الصَّبر واليقين، فإذا صلاتُك منبع للخيرات، ومزرعةُ للفضائل، ومرقاةٌ في مدارج الإيمان، ومعارجِ الإحسان، تنهلُ من طهورها وتلاوتها، وقيامِها وقُعودها، وركوعها وسجودها، صفاء ونقاء، ويقينا وإقداما، وقوة وعزما.

تتجدد فيك الحياة الإيمانيةُ وأنت على وعي عميقٍ، وإدراك وثيقٍ، أن إعادة إبرام عروة الصلاةِ مدخل أساس لإبرام عرا الإسلام من جديد “لتنقضن عرا الإسلام عروة عروة، كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم وآخرهن نقضا الصلاة” 2.

ولكم اشتاق الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤوف لإخوانه قائلا: اشتقت لإخواني.


[1] عن شريك بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة / صحيح البخاري.
[2] أخرجه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أخرجه الإمام أحمد في باقي مسند الأنصار، برقم 21139. لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضا: الحكم، وآخرهن الصلاة.