شاركت الأستاذة رجاء المنبهي، فاعلة جمعوية وكاتبة رأي، في ندوة وطنية عن بعد بعنوان: 20 سنة من تنمية أقاليم الشمال.. أية حصيلة؟ إلى جانب الدكاترة: خالد البكاري؛ فاعل حقوقي وأستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي للتربية والتكوين، وعمر الكتاني؛ خبير اقتصادي وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس، وعمر احرشان؛ محلل سياسي وأستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض.
يذكر أن الندوة نظمتها الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وبثتها قناة الشاهد الإلكترونية يوم الجمعة 26 شعبان 1442 الموافق لـ9 أبريل 2021 على الساعة التاسعة ليلا، وسيرها الأستاذ يوسف زيراري.
فيما يلي مداخلات الأستاذة المنبهي في الندوة حسب المحاور:
المنجز الاقتصادي وانعكاساته على وضعية الساكنة بالمنطقة خاصة النساء
بداية يجب الإشارة إلى مسألة أساسية وهي أن واقع التنمية في المغرب غير قابل للتجزيء، وبالتالي فالشمال ليس استثناء، مع فروق بسيطة ترتبط بخصوصيات المنطقة.
أما التنمية الحقيقية فيجب أن تقوم على الموازنة بين أمرين أساسيين: الاقتصاد الحر الذي يحكمه قانون التنافسية، والضرورة الاجتماعية والاقتصادية التي تفرض خلق مناصب الشغل ومحاربة البطالة وتأمين حد أدنى من العدالة الاجتماعية.. بمعنى أن الجانب الإنساني يجب أن يكون في صلب كل عملية تنموية حتى نستطيع أن نتحرر من العجز والبطالة والفقر والتبعية.
أما وضعية التنمية في المغرب فإن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي 2018 يشير إلى أن المغرب احتل الرتبة 75؛ أي الأخيرة، في لائحة الدول الناشئة في مؤشر التنمية الشاملة.
وتشير العديد من التقارير المحلية والدولية إلى تدني مستوى التنمية بالمغرب.
ومن هذا المنطلق يمكن القول أن المشاريع التنموية التي عرفها إقليم الشمال رغم أهميتها ومساهمتها في النمو لم تنجح في تحرير سكان الشمال من الفقر والبطالة، ولم تحقق لهم الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية..
وقد أشار تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى ارتفاع نسبة البطالة وتمركز ربع العاطلين بشمال وشرق المغرب، بسبب استحواذ ثلاث جهات على ثلثي الثروات الإجمالية، الشيء الذي يدل على غياب العدالة المجالية. إضافة إلى اعترافات رسمية بفشل النموذج التنموي.
أما بالنسبة لوضعية النساء في الشمال؛ فهي ليست أقل سوءا من مثيلاتها في المغرب، بل قد تتجاوزها أحيانا نظرا لخصوصية المنطقة وتزايد ظاهرة النساء المعيلات..
فمن ضمن ما جاء في تقرير فدرالية رابطة حقوق النساء وشبكة نساء متضامنات 2019: “رغم أهمية الإصلاحات تبقى محدودة ولا ترقى إلى مستوى يجعل المرأة المغربية تتمتع بالقدرة على مواجهة أعباء الحياة وتجيب على الحاجيات الاقتصادية الأساسية التي تضمن ظروف عيش لائقة”. نفس الأمر أشار إليه بيان القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان بمناسبة اليوم العالمي للمرأة لسنة 2021.
إن المرأة في الشمال تعرف في السنين الأخيرة معاناة مضاعفة وصلت لحد فقدان الحياة؛ فمن فقيدات لقمة العيش بمعبر سبتة مرورا بالطالبة حياة شهيدة الشاطئ إلى العاملات الزراعيات اللواتي لقين حتفهن على الطريق الرابطة بين مولاي بوسلهام والعرائش، إلى معاناة عاملات الفراولة بالضفة الأخرى اللواتي أصبح وضعهن يكرس نوعا من العبودية الجديدة، إلى النساء اللواتي قضين غرقا في فاجعة معمل النسيج بطنجة… واللائحة طويلة.
معاناة تضاف لما تعرفه النساء بكل أرجاء المغرب؛ من هدر مدرسي، وتدني الولوج للصحة، والحيف في ميدان الشغل، والاشتغال في القطاعات غير المهيكلة، وغياب الحماية الاجتماعية.
مدى خلق الأوراش الكبرى بأقاليم الشمال لدينامية جديدة للمنطقة
لا شك أن أقاليم الشمال عرفت دينامية كبيرة في الخمسة عشر سنة الأخيرة مقارنة مع ما كانت تعرفه من إقصاء وتهميش منذ الاستقلال، حيث أهملت المنطقة وغض النظر عن كيفية تدبير سكانها لمصادر عيشهم لأسباب تاريخية وسياسية وغيرها.
صحيح أن المشاريع التي شهدتها المنطقة واعدة وتساهم في إنتاج الثروة وزيادة النمو، وصحيح أيضا أنها غيرت من ملامح بعض المدن خاصة طنجة؛ سواء تعلق الأمر بالميناء المتوسطي بطنجة أو منارة المتوسط بالحسيمة أو القطار فائق السرعة أو تنوع مشاريع طنجة الكبرى، لكن تطرح هذه المشاريع العديد من الأسئلة على مستوى الأولوية، خاصة بتزامنها مع الوضعية المتأزمة التي يعيشها سكان الشمال..
ويظل السؤال مطروحا: إلى أي حد استطاعت هذه المشاريع أن تمتص البطالة وتساهم في توزيع الثروة وتحقق حدا أدنى من التنمية المجالية والاجتماعية؟
وقد أكد مرصد الشمال لحقوق الإنسان أن أبناء المنطقة لم يستفيدوا من الميناء المتوسطي خاصة في مجال امتصاص البطالة، رغم أنه شيد على أراضي آبائهم التي تم نزع ملكيتها منهم.
يطرح أيضا السؤال على مستوى الاستقلالية في اتخاذ القرار؛ فمثلا مشروع القطار الفائق السرعة تم الإعلان عنه مباشرة بعد زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي ومول بقروض فرنسية تصل إلى 51 في المائة في حين لم يتجاوز التمويل المغربي 28 في المائة، فيما وزعت 21 في المائة على بعض الصناديق العربية.
أيضا نتساءل: إلى أي حد ثم استثمار مؤهلات المنطقة خاصة أنه لم يتم اعتماد المقاربة التشاركية كآلية لإشراك سكان المنطقة أفرادا وجماعات في تدبير شأن منطقتهم؟ فرغم توفر إقليم الشمال بموقعه الاستراتيجي على واجهتين بحريتين ومؤهلات سياحية وتنوع ثقافي وتنوع جغرافي مهم، إلا أنه لم يتم استثمار هده المؤهلات بالشكل الصحيح، فمثلا المشاريع الثقافية في مشروع طنجة الكبرى اقتصرت على تشييد وتأهيل البنايات؛ كتأهيل بعض الحدائق التاريخية ومنتزه الرميلات، ولم تنصب على العنصر البشري.
لذلك ظلت منطقة الشمال، باستثناء طنجة نسبيا، تعاني التهميش وتشتغل على التهريب، فتعمقت المعاناة مع دخول الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والدروس المستفادة من الحراك في المنطقة
لم تغير مشاريع التنمية من الواقع الشيء الكثير رغم أنها غيرت من ملامح المنطقة، ومع الحجر الصحي وما فرضته حالة الطوارئ من تضييق على حركة الأفراد وإغلاق الحدود دخلت أقاليم الشمال التي تعتمد على التهريب المعيشي أو باقي أنواع التهريب وما يرتبط بها، وتعتمد أيضا على السياحة أو الاشتغال في القطاعات غير المهيكلة، إضافة إلى الانعكاسات السلبية التي ترتبت عن الإصلاحات الحكومية وغلاء المعيشة، إضافة إلى محاولة الوحدات الصناعية الكبرى الحد من خسائرها على حساب العمال.. كل هذا زاد الوضع تأزما، الشيء الذي جعل الحراك الخامد يعود من جديد كنوع من إظهار السخط حيال الأوضاع المتردية.
فبعد الانخراط القوي لمناطق الشمال في حراك 20 فبراير واحتجاجات الريف والاحتجاج على شركة “أمانديس” التي أنهكت سكان المنطقة، خرج سكان مدينة الفنيدق في احتجاجات عقب إغلاق المعابر دون اتخاذ أية تدابير استباقية، خاصة أن جل سكان مدينتي تطوان والفنيدق يعتمدون على التجارة، فأصبح الكساد سيد الموقف، كما أن المنطقة لم تتلقى رسائل رسمية إيجابية قبل الاحتجاجات، وعرفت المنطقة مجموعة من الاعتقالات والمتابعات والتضييق على الحقوق والحريات خاصة بعض المدونين والإعلاميين ورموز الاحتجاجات.
أهم الدروس التي يجب استيعابها أن يتم التعامل بجدية مع الملفات الراهنة للمنطقة قبل فوات الأوان كتعبير إرادي رسمي للتصالح مع المنطقة وأهمها:
– ملف تقنين القنب الهندي: فحسب دراسة لوكالة إنعاش وتنمية الشمال فإن 90 ألف عائلة في شمال المغرب تعمل في زراعة القنب الهندي و80 في المائة من المساحات المزروعة تستهلك 20 مرة أكثر من بعض الزراعات الأخرى، الشيء الذي يشكل تهديدا للفرشاة المائية. السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل من ضمانات بعدم ارتفاع مساحة زراعة الكيف خارج المساحات التاريخية؟ وهل تستطيع الدولة بإمكانياتها المادية والبشرية الرقابة على ظاهرة الاتجار فيه لضمان عدم استعماله خارج الأغراض الطبية والصناعية؟ وهل وضعت ضمانات لحماية المزارعين من جشع المستثمرين ومافيات التهريب أم أن الأمر لا يخلو من امتثال للوبيات داخلية وإملاءات خارجية، خاصة أن منظمة الصحة العالمية صنفت القنب الهندي سنة 2018 عشبة أقل خطورة؟
مما لا شك فيه أن هناك تسرع، ويجب التريث في تنفيذ القرار وفتح مزيد من النقاش حول هذا الملف، وإلا سنقامر بمصير أبناء المنطقة.
– ملف التهريب المعيشي: جاء في تقرير برلماني أن 3500 امرأة، بالإضافة إلى 200 قاصر، تستغل من طرف مافيات التهريب المعيشي لحاجتهن لمورد رزق، ويتعرضن للتحرش وسوء المعاملة التي قد تصل لحد فقدان الحياة. وقد أشار رئيس جمعية كاليطا للتنمية والأعمال الاجتماعية إلى أن مليلية وحدها تشغل 5000 امرأة في التهريب المعيشي، هذه الأرقام الصادمة كان يجب معها التفكير في بدائل وحلول، فليس المشكل في غلق المعابر ما دام في صالح الاقتصاد الوطني، لكن المشكل أن يتم ذلك بشكل مفاجئ ودون طرح بدائل، لما له من تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية خطيرة. إذن يجب العمل على البحث عن بدائل جادة تستثمر مؤهلات المنطقة وتستهدف ساكنيها، وأن يتم تدبير الزمن بشكل جيد تجنبا لأي انفجار اجتماعي نحن في غنى عنه.
– ملف الهجرة غير النظامية: هذا الملف المعقد الذي يتقاطع فيه السياسي بالحقوقي بالاقتصادي بالاجتماعي يجب أن يعرف طريقه للحل؛ لماذا يفر الشباب المغاربة إلى الضفة الأخرى؟
فحسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة ليكونميست فإن النساء المغربيات هن الأكثر رغبة لمغادرة البلاد، وأن 5 من أصل 10 يرغبن في الهجرة. وأن 42 في المائة من الشباب ما بين 35 و44 سنة يرغبون في الرحيل، وصرحوا بأنهم لن يخسروا شيئا بمغادرتهم البلاد، بل هناك هجرة لأسر بكاملها بطرق مختلفة تصل للمغامرة بالحياة وتنتهي إلى بطن الحوت أو جثث يلفظها الشاطئ بين الفينة والأخرى. لا بد إذن من طي هذا الملف، أو على الأقل التخفيف من حدة هذه الآفة عن طريق إصلاحات حقيقية لا تقف عند الاقتصادية منها بل تتعداها إلى ما سوى ذلك.
– الملف الحقوقي لمعتقلي الريف: يعتبر منطلقا أساسيا للتصالح مع الإقليم وإنصاف شبابه، فلا يعقل أن يستمر اعتقال شباب الحراك بدعوى الانفصالية وقد عبروا مرارا عن تشبثهم بمغربيتهم في الوقت الذي ينعم فيه بعض دعاة الانفصال في الجنوب علنا بالحرية، خاصة أن هذا الملف حسب العديد من الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية تشوبه العديد من التجاوزات.
إن الظرفية الراهنة تقتضي تغليب صوت العقل والحكمة والإفراج عن المعتقلين وحماية الحريات والحقوق والقطع مع سياسة الإذلال والمس بالكرامة لجميع المغاربة وخاصة معتقلي الريف وأسرهم. يجب طي هذا الملف خاصة أن المطالب التي خرجوا من أجلها أثبت الواقع صحتها ومشروعيتها وحاجة سكان المنطقة إليها.
وفي الختام مزيدا من الازدهار لأقاليم الشمال وسكانها ولكل المغاربة.