بمناسبة مرور مائتي يوم على بدء العدوان الصهيوني على غزة الشامحة بعد عملية “طوفان الأقصى” المجيدة يوم السابع من أكتوبر المنصرم، أصدر مكتب الإعلام الحكومي في غزة حصيلة محينة لنتائجه الكارثية على جميع المستويات.
أرقام تظهر مدى الصلف الإسرائيلي ووحشيته ضد كل مقومات الحياة في غزة؛ اعتداء على أرواح المدنيين بشتى الطرق حتى تلك المحرّمة دوليا، تحت أعين الكاميرات، في غير خوف أو وجل من انتهاك الحقوق والقوانين الدولية والإنسانية، في محاولة بائسة لإبادتهم بشكل جماعي عقابا لهم على صمودهم وثباتهم المنقطع النظير و”غير المتوقع” على أرضهم رغم الفظاعات التي يشاهدها العالم أجمع بشكل مستمر، والتي فندت الدعاية الإسرائيلية والأمريكية الكاذبة التي حرصت على الاستثمار فيها لسنوات طوال، وفتحت أعين جزء كبير من العالم على الحقيقة الواضحة، وفضحت التحيز العالمي المصلحي لكيان نازي وحشي. فبعد مرور 200 يوم على حرب الإبادة الجماعية بلغ عدد الشهداء والمفقودين 41183؛ 30 طفلا منهم استشهدوا نتيجة المجاعة، و7 آلاف مفقود، و11000 جريح بحاجة للعلاج خارج القطاع.
فإضافة إلى الاستهداف المباشر بالصواريخ، يرتكب الجنود الصهاينة جرائم القنص والإعدام المباشر والتعذيب والتنكيل والاعتقال وسرقة أعضاء الشهداء وجلودهم… لا يسلم منهم طفل ولا امرأة، شاب ولا شيخ.. فالكل عندهم مستهدف حتى الجنين في بطن أمه، يصرح بذلك كبارهم وصغارهم نهارا جهارا.
فتكٌ نتج عنه تيتيم 17000 طفل؛ يعيشون بدون والديهم أو أحدهما. و5000 معتقل، مع نزوح مليوني (2 مليون) نحو مناطق قيل إنها آمنة ليظهر فيما بعد أنه لم يعد في غزة مكان آمن.
ناهيك عن المرضى الذين يواجهون الموت بسبب الاعتداء على المستشفيات وإخراجها عن الخدمة (مثال: 10000 مريض بالسرطان)، بل واستهداف الطواقم الطبية والمرضى والنازحين على حد سواء، تشهد على ذلك الأرقام المهولة للجثث المتحللة والجماجم والأطراف المقطعة التي عثرت عليها طواقم الدفاع المدني مدفونة في مقابر جماعية في مستشفيات غزة، والعدد ما يزال مفتوحا، ولعل ما تم العثور عليه في مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس من مئات الجثث (أكثر من 283 جثمانا من مختلف الفئات العمرية مع توقعات بدفن 700 في ثلاث مقابر جماعية) مؤشر كاف لمعرفة حقيقة هذا الكيان المجرم.
وخدمة لهدف التصفية لم يترك المحتل سببا من أسباب الحياة إلا ضربها، بيوتا، وبنية تحتية، وماء، وكهرباء، وغذاء.. حيث قدرت إحصائية المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الخسائر الأولية بـ30 مليار دولار.
تعد الحرب الجارية على غزة مثالا للبربرية والتوحش في عالم يقال إنه متقدم، لا يستطيع أن تبرح هيئاته الدولية وفضلاؤه مكان التنديد والاستنكار، ما دام “الفيتو” بيد أمريكا تفعل به ما تريد، وهي الشريكة المباشرة في الحرب، وما دامت الدول الغربية تتشابك مصالحها مع مصالح الكيان في القضاء على أي شتلة يمكن أن تشكل قاعدة لنهضة إسلامية، وما دام حكام الدول العربية مغلوبون على أمرهم، اختاروا نفق الصمت والخذلان، بل وأحيانا الاصطفاف مع العدو الدخيل…
ووسط هذه الظلمة الحالكة تبقى المقاومة المسلحة شعاع نور، أظهرت القدرة على حسن تدبير المعركة والاستعداد القبلي لها، وتجذرها وسط شعبها الذي أبدى احتضانا تاما، وصمودا متفردا كسر شوكة “أعتى جيوش العالم”، وسجل انتصارات على المستوى العسكري (في التصدي للآلة الحربية للعدو على الأرض) والإنساني والأخلاقي بل والسياسي مقابل إفلاس العدو على كل هذه الجبهات، حيث فشل على مدى 7 أشهر أن يحقق أحدا من الأهداف الكبيرة التي وضعها في بداية العدوان، ولم يسجل في دفتره الأسود سوى قتل المدنيين العزل والتنكيل بهم وتخريب الأرض والمزيد من الأكاذيب المفضوحة الدالة على انهزامه نفسيا واستخباراتيا وعسكريا.