إشارة
حديثنا في هذا المقال عن الكلمة الطيبة المباركة، عن لا إله إلا الله، وعن بعض أسرار لا إله إلا الله، وإلا فأسرارها لا يحيط بها إلا الحليم العليم. وللإمام رحمه الله تعالى نصوص عدة في ذكر بعض أسرار لا إله إلا الله، مع وصايته المتكررة في كل مناسبة بالإكثار منها والاستغراق فيها.
من أسرار لا إله إلا الله
يقول الإمام رحمه الله تعالى “لا إله إلا الله حين نكثر من قولها نجدد بها إيماننا توحدنا وتذهب الخلاف. لا إله إلا الله حين نذكر بها ربنا ومصيرنا إليه توحدنا إذ تذهب عنا الغفلة عن الله. لا إله إلا الله حين تفتح لنا أبواب رحمة الله الواسعة، أبواب محبته والقرب منه، تنشلنا من مسارب الغضب والخلاف الضيقة المبعدة عن الله. لا إله إلا الله حين تضعنا في مقام العبودية لله، نقبل حاكميته ونرفض ونقهر حاكمية طاغوت الهوى والشيطان تؤلف بيننا في وجه طواغيت الأرض من حكام الجور، وتذيب ما تصلب من عواطفنا لما التفت بعضنا إلى بعض فنسي الله ونسي الجهاد في سبيل الله. لا إله إلا الله محمد رسول الله حين تلفتنا إلى كتاب الله وسنة رسوله تمسح عن قلوبنا لأواء التعصب، وتأخذنا أخذا رفيقا بين يدي الله ورسوله، نرد إليهما أمرنا، ونقبل حكومتهما بقبول حكومة أولي الأمر منا” 1.
تجليات
– “لا إله إلا الله حين نكثر من قولها نجدد بها إيماننا توحدنا وتذهب الخلاف”. فمن أسرار لا إله إلا الله، كما أورد الإمام في هذا النص، أنها تجدد الإيمان في القلوب حين نكثر من قولها، فالإكثار شرط لبلوغ هذا التجديد الإيماني، وكلما حلت الغفلة بالقلوب، وكان الإقلال من ذكر هذه الكلمة المباركة كان الجمود، واستأسدت النفوس، وتفرقت القلوب، وحصل الخلاف والفراق والشقاق لأتفه الأسباب. والناظر في أمر الأقوام والجماعات، ألفى أن الذي شتت أمرها هو طغيان الأنانية وحب النفس، وموت الإيمان في القلوب، وعلاج كل ذلك في التداوي بالكلمة الطيبة إكثارا واستغراقا.
– “لا إله إلا الله حين نذكر بها ربنا ومصيرنا إليه توحدنا إذ تذهب عنا الغفلة عن الله”. ومن أسرارها أنها تذكرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك وأحسن إليك، وإذ تذكرك بربك تذكرك بمصيرك إليه، وأنك لا محالة راحل عن هذه الدنيا، فيصغر شأن هذه الأخيرة في قلبك، فتطرد الغفلة عن قلبك، فإذا بك وقد تجملت بحلل التواضع، فكان التوفيق والسداد، وكان الجمع والانجماع، وغُلّقت أبواب الفرقة والشتات.
– “لا إله إلا الله حين تفتح لنا أبواب رحمة الله الواسعة، أبواب محبته والقرب منه، تنشلنا من مسارب الغضب والخلاف الضيقة المبعدة عن الله”. ومن أسرارها أنها تفتح أبواب الرحمات والبركات، وأبواب المحبة الإلهية، وأبواب القرب منه، ثم تطهرك من كل نفس غضبي يجعلك تستأسد على المؤمنين، فلا ترع حرمة للكبير ولا لذي الغناء والسابقة، فإذا بك قد دخلت في دوامة النقد الهدام لا البناء، وجعلت نفسك الآمر الناهي، أنت وحدك الذي يمتلك الحقيقة والمعرفة، وغيرك على باطل. وكل هذا مبعد عن رحمة الكريم المنان. فكلما كان التياسر والحلم حلت البركة والرحمة. وكلما كان الغضب كثر الخلاف وحلّت الغفلة، وأُبعدنا عن رحمة المولى.
– “لا إله إلا الله حين تضعنا في مقام العبودية لله، نقبل حاكميته ونرفض ونقهر حاكمية طاغوت الهوى والشيطان تؤلف بيننا في وجه طواغيت الأرض من حكام الجور، وتذيب ما تصلب من عواطفنا لما التفت بعضنا إلى بعض فنسي الله ونسي الجهاد في سبيل الله”. ومن أسرارها أنها تضعنا في مقام العبودية لله، وما أجله من مقام أن تكون عبدا لله خاضعا لجلاله، راجيا رحمته. فإن كان ذلك فإنك تقبل حكم الله خاضعا ذليلا، ويكون القهر والرفض لحاكمية الهوى والشيطان، فتتآلف القلوب، ويزداد حب بعضنا لبعض، ونتوجه في نفس واحد لمواجهة الظلم والفساد، فتصفو القلوب من الأنانية، ويمّحي الاعتداد بالرأي، والتنابز بالألقاب، ونرجع جميعا إلى الله تائبين نادمين مستغفرين من غفلتنا لما نسينا الله ونسينا الجهاد في سبيله، ووجهنا سهام نفوسنا ليضرب بعضنا بعضا. نسأل الله العفو والعافية.
– “لا إله إلا الله محمد رسول الله حين تلفتنا إلى كتاب الله وسنة رسوله تمسح عن قلوبنا لأواء التعصب، وتأخذنا أخذا رفيقا بين يدي الله ورسوله، نرد إليهما أمرنا، ونقبل حكومتهما بقبول حكومة أولي الأمر منا”. ومن أسرارها أنها تعيدنا لنحتكم إلى كتاب الله ورسوله لا إلى عصبيتنا واعتدادنا برأينا، وتنبت في قلوبنا الانقياد الرحيم إلى أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، فنخضع لحكمهما، ونطيع أولي الأمر منا، محبة وتقربا لله، لا خضوعا وإكراها.
الرسالة من الكلام
– لا حياة لقلوبنا إلا بلا إله إلا الله.
– لا إله إلا الله نجدد بها إيماننا مقرونة بصحبة مباركة.
– لا إله إلا الله تجمع على الله قلوبنا وتذهب عنا الفرقة.
– لا إله إلا الله تطهر قلوبنا من الأنانية والاعتداد بالرأي.
– لا إله إلا الله ملاذنا حين نختلف ويشتد اختلاف آرائنا.
– لا إله إلا الله حصن حصين لبيوتنا، واستقرار لأسرنا، وعافية لأبنائنا.
– لا إله إلا الله سندنا الأول في مواجهة الظلم والفساد ثم تتلوها باقي أشكال المواجهة الأخرى.
– لا إله إلا الله تعظّم محبة الصالحين في قلوبنا فنطيعهم محبة لا إكراها، وتنبت القوة لا العنف في قلوبنا لدحض الفساد والمفسدين.
– لا إله إلا الله دليلنا إلى كتاب الله وسنة رسوله، تنور فهمنا، وتقودنا إلى قبول أحكامهما عن محبة وطواعية.
– لا إله إلا الله تطهر قلوبنا من العصبية، والخلافات الضيقة، والغضب، والتراشق بالكلام.
همسات من كلام الإمام رحمه الله تعالى
– “بقيت الوصفة الطبية كلمة لا إله إلا الله، قولها، الإكثار من قولها، باللسان. باللسان أولا. ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الحكم، فكلامه علمي دقيق، ووصفه هنا للطب المجدد للإيمان لا أوضح ولا أبسط منه: الإكثار من قول لا إله إلا الله فجند الله زادهم لا إله إلا الله، كلمة مجددة على اللسان، يكثرون منها. والإكثار لم يعين حده. ونرى أن المئات من المرات لا تكفي، يلزم حزب من لا إله إلا الله آلاف المرات بالعشي والإبكار وما بينهما، بالغدو والآصال، آناء الليل وأطراف النهار” 2.
– “لو كانت قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق”. رواه مسلم والترمذي. نقف عند الجملة الأخيرة من الحديث يقول فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن حضورهم بين يديه لسماع موعظته ذكر، هنا اندمجت الصحبة في الذكر” 3.
– “كلمة هي أفضل الذكر وأعلى شعب الإيمان وأرفعُها، لا يزهد في الاستهتار بها إلا محروم” 4.
من شعر الإمام رحمه الله تعالى 5
قطف 111
خيرُ ما نقولُهْ **لا إلاه إلا الله
الإسلامْ دخولُهْ **لا إلاه إلا الله
الإيمان أصولُهْ **لا إلاه إلا الله
نكْتُ الرَّينْ تُزيلُهْ **لا إلاه إلا الله
الإحسان وصولُهْ **لا إلاه إلا الله
الدين كمالُهْ **لا إلاه إلا الله
[2] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الشركة العربية للنشر والتوزيع، ط1، 1989، ص36،35.
[3] ياسين عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1998، 1/265.
[4] ياسين عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1998، 1/268.
[5] ياسين عبد السلام، قطوف 2، مطبوعات الهلال – وجدة، الطبعة: 1، سنة: 2002، ص40.