الأسرة هي الخلية الأساس في المجتمع وأهمها، وهي عبارة عن رابطة اجتماعية تتكون من الأب والأم والأبناء، يعمها الحب والاحترام والتعاون والعطاء، ولكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وقد تلقي أمواج الحياة العاتية ومنغصاتها بظلالها على الأسرة، قد يكون منبعها نفسيا؛ كالغيرة المفرطة، أو النزاع على السلطة، أو عدم التوافق العاطفي والجنسي.. أو اقتصاديا؛ كقلة الدخل أو انعدامه، أو سوء الإدارة المالية، أو غياب التعاون في مواجهة الأزمات المالية، أو المحاسبة المالية الشديدة بين الزوجين.. كل هذا ينتج عنه كثرة المشاكل والمشاحنات بين الوالدين، قد تصل إلى الشتم والسب والضرب وشتى أنواع التعنيف، كل ذلك في إطار السن بالسن ورد الصاع بالصاعين، دون مراعاة واحترام الطرف الثالث؛ الأبناء. وهذه منتهى الأنانية، ولها عواقب وخيمة ومباشرة على مستويات ثلاث.
المستوى الأول: يخص الزوجين، وذلك بحدوث طلاق عاطفي، حيث يصيب العلاقة العاطفية فتور ونفور ملحوظ ومستمر، وتمركز حول الذات، مع قدرة كل طرف على تلبية احتياجات الطرف الآخر، والقيام بما عليه من واجبات، وتستمر الأسرة بشكل صوري. وقد يتطور الأمر فيصل إلى انفصام عرى الزوجية، وانفراط عقدها، ونقض الميثاق الغليظ، وحدوث أبغض الحلال: الطلاق، وحرمان الأولاد من أحد الوالدين أو كلاهما.
المستوى الثاني: يتعلق بكل تأكيد بالأبناء، الضحية الأولى التي ستدفع الثمن، ثمن أنانية أبويهما، وذلك بمعاناتهم من العقد النفسية، والانحرافات السلوكية؛ كالإدمان، والانطواء، والخوف، والشعور بعدم الانتماء، والفشل الدراسي. والأسوأ ضياعهم ما بين الأب والأم، وانطلاق مسلسل النزاع أمام قضاء الأسرة حول النفقة والحضانة والسكن..
المستوى الثالث: يتأثر المجتمع بتفكك الأسرة، ويصبح عرضة للفساد والإجرام، وانعدام الأمن والأمان، لأن إعداد أفراد صالحين، قادرين على تطوير مجتمعهم نحو الأفضل، من خلال التفاعل مع أفراد المجتمع الآخرين، هو من وظيفة الأسرة.
مجمل القول، أنه عند نسيان الهدف أو الغفلة عنه، تكون هذه هي الثمار والنتائج المحصلة. يقول الله عز وجل في سورة الذاريات، الآية 56: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فتأسيس أسرة متينة قوية عبادة، والحفاظ على بيضتها وحمايتها من تمام العبادة، والتحلي بالعفو والتغافل والصبر والإيثار، وغيره من الأخلاق النبيلة هو لب العبادة، التي تقرب إلى الله عن طريق حسن التعامل مع خلقه، فما بالك بأقرب الناس إليك، فلذات الأكباد. روى الترمذي عن أمنا عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله” (جامع الترمذي، 2654). إما خلق حسن وتلطف بالأهل، فيكتمل الإيمان، ويشع على من حولنا فنكون آباء بحق، وإما أنانية مستعلية، وتغليب للمصلحة الخاصة على العامة، وعدم مبالاة بالآخر: الأبناء، فنكون اسما على غير مسمى، أبوة وأمومة صماء جوفاء.
ختاما تقع مسؤولية حماية الأسرة على عاتق الآباء. ولاشك أن الإحسان في العلاقة الزوجية، والإحسان إلى الأولاد، هو الذي يقود السفينة إلى بر الأمان.