آداب الأكل

Cover Image for آداب الأكل
نشر بتاريخ

بعض ما قيل في أذى المؤَاكِلين

وتستمر رحلتنا المسلية بين سطور ما كُتِب في تراثنا عن آداب الأكل، نتصرف فيه بعض الشيء ليفيد زماننا.

سننتقل من طرق الأكل المتنوعة عند بعضهم، والتي فيها أذى معنوي للمؤاكِل مِما يصدر عنهم من أصوات وحركات … إلى الأذى الجلي الظاهر للجليس المسكين.

المرشِّش

هو الذي يتناول القطعة القوية من اللحم بيديه، ويصر على قطعها، أو يلوي فخذ الدجاج ليفكه، فيرشش على جلسائه.

المُوَسِّخ

هو الذي يوَسٌخ الخبز الذي بين يديه… قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: لا يضَعُ على الخبز إلا ما يأكل به ولا يمسح يده بالخبز(أبدا!!)، وذلك مصداقا لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “أَكْرمُوا الخبزَ فإن الله أكْرَمَه، فَمَنْ أَكْرَمَ الخُبْزَ أَكْرَمَهُ الله” 1 .

المُتعدّي

هو الذي يأكل ما بين يدي غيره!!

المُستبِد

هو الذي يستبد بالصحن دون مؤاكِليه أو بغيره مما هو موضوع على الطاولة قصد الاستعمال المشترك.

المتطاوِل

هو الذي يديم النظرَ الشِرهَ إلى ما بين يدي غيره من الطبائخ، فكأنه يتطاول إليها أو يتمناها.

المُشَيٌّع

وهو من عينه إلى لقم الحاضرين وأكلهم، فعينه لأخذ ذا وضم ذا وبلع ذا ومضغ ذا ووضع ذا.

المُهْمِل

هو الذي لا يراعي من بجانبه، والأدب أن يؤثره فيما يُستطاب من لحم ونحوه، وأن يعرض عليه الشرب قبله عندما يؤتى بالماء والأكل قبله عندما يقدم الطعام…

المُخرِّب

هو الذي إذا أكل من صحيفة لم يُبْقِ فيها إلا العظام، فإنه يأكل أي لحمةٍ رآها وأطايب الطعام، ولا يلتفت لغيره كأن الطعام لم يُقَرّب إلا له. وكلمة “يُقَرّب” هي الأفصح في التعبير عن تقديم الطعام كما جاء في قصة ضيف سيدنا إبراهيم عليه السلام، قال الله عز وجل في : فَرَاغ َإلى أهْلِه فَجَاء بِعِجْل سمين فَقرّبَه إليهم قال ألاَ تأكلون 2 .

الحامِد

هو الذي يحمَد اللهَ تعالى جهراً في وسط الأكل، ولاسيما ربُّ المنزل، فقد يُظَن بذلك أنه ينبه الحاضرين ليكفوا عن الأكل. والمفروض أن يزن الإنسان كلامَه في المجامع ويعيد التفكر فيه، حتى وإن ظن لأول وهلة أنها الحكمة والصواب عينهما. فأي شيء أفضل من الحمد، لكن المقام ليس مقامه.

المقَزِّز

هو الذي يتحدث على المائدة بما تشمئز نفوس جلسائه من سمعه، كمن يذكر أخبار المرضى والمسهولين والدمامل والقيح والقيء والبراز ونحو ذلك شرَّف اللهُ قدرَكم، ومن الأدب ألا يذكر المرء حتى الحيوانات والحشرات النجسة كالحمير والفئران والصراصير…

و المقَزِّز هو أيضا من يتمخط ويبصق ويمسح عينه ويحك أذنه إذا جلس على الأكل.

فمن غلبه العطاس أو السعال فعليه أن يدير وجهه عن المائدة ويفعل ذلك من وراء ظهر الجالسين، وأن لا يعطَس أو يسعل بين يديه بل يخفي وجهه بظاهر يده إذا لم يجد منديلا. وإن تكرر الأمر بحدة وشعر أن في ذاك أذى للجلساء اعتذر بأدب وقام من المجلس إذا أمكنه إلى أن يهدأ.

بعض هذه الأوصاف قد يجد فيها القارئ مبالغة، وقد يظن البعض أن صياغة هذه المواضيع أساسا ضربٌ من الهوس…

ما كُتِب لا أظن أن به مبالغة، فحسبك أن تكُفَّ عن الأكل في وليمة للحظة وتطلق العنان لحواسك وستفاجأ، قد تصادف “مفرقعا”، وقد يَطرَبُ سمعُك لحديثِ “مقزٍز”، وقد يصيبك من “الرشاشين” ما قد يصيبك…

أما من ظنه هوسا فالسنة النبوية الكريمة تؤكد عكس ذلك، اهتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بدقائق الأمور في اللياقة والأدب وحرَص على تلقينها للصحابة الكرام، أهل الحَضَر منهم والبدو؛ و ذلك في زمن شحّت فيه الوسائل شحَّ المياه بالأرض المباركة، وبين أناس جفت طباعهم جفافَ رمالها… فما بالك بمن أكرمه الله تعالى بالعيش في زمن المناديل الورقية وفنون الإيتيكيت… ولا زال يسمي السعي إلى اكتساب الذوق النبوي الرفيع هوسا؟؟


[1] رواه الطبراني.
[2] سورة الذاريات الآيتان :26-27.