من أجمل العبادات التي نتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى؛ التفكر في خلق الله وفي الكون. وقد جاء في القرآن الكريم العديد من الآيات تدعو إلى التدبر والتأمل. نقف وقفة تدبر وتأمل مع هذه الآية لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس، 40).
تستقر الشمس في السماء محاطة بغيوم بيضاء، تضفي على القلب جوا بهيجا كأنه يحضر عرسا لشمس توجت عروسا لقمر منير، لتصبح بذلك كل الدنيا شاهدة على تعاقب الليل والنهار، وتعاقب الشمس والقمر، كأسرة تدفئها الشمس بأشعتها الحنون ويضيئها القمر بنوره، ليكتمل الحنان الأمومي والحكمة الأبوية، والتحامهما في أجمل صورة وأبهاها. فتنتج لنا نجوما تضيء سماءنا سنين طوال، في حالة غياب أحد النورين تبقى نفحاتهما دليلا على الوجود، وعلى خالق عظيم جعل بين القمر والشمس انسجاما كما جعل بين الزوجين مودة ورحمة.
فكل بخصاله وطباعه، الأم شمس، والأب قمر، ولا ضير في الاختلاف. لا يمكن لأحد أن يكون نسخة عن الآخر، كل منهما يضيء حسب فطرته ليكمل الآخر ويتقبله بعيوبه وخصاله الحميدة، فتنشأ بذلك الأسرة الإيمانية ونجني من ثمارها أبناء صالحين ولسنن الحياة فاهمين.
إذا التقت الشمس والقمر، يحدث الكسوف وتظلم الدنيا من جديد. كذلك إذا حجب أحد الزوجين نور الآخر؛ أظلمت الأسرة الإيمانية وصار كل منهما في ظلام حالك، لا سبيل للخروج منه سوى أن يقوم كل منهما بما تمليه عليه فطرته، ويترك كل منهما الآخر يشع ليولد الاثنان نورا يحمل من حنان الأم وحكمة الأب، فيوازن بين الأمور.
وليس هناك أجمل من أسرة يتخللها حنان الأم والأب، وقادتها حكمتهما، وكان الحوار حلا لمشاكلها، والتقرب إلى الله أسمى غاياتها. من هنا نتبين أن الزوجية هي سنة الله في الكون. فقد أمر الله نبيه نوحا أن يحمل في الفلك من كل زوجين اثنين. وأنزل الله من السماء ماء لينبت من كل زوج كريم. وأفرد الله سبحانه وتعالى نفسه بالوحدانية، وعظم العلاقة الزوجية وأثنى عليها بين البشر، وسن لها حدودا ومواثيق، وسيّجها بمواثيق غليظة، واعتبر هذه العلاقة عبادة تكتسب فيها الأجور وترتفع بها الدرجات.
فطر الله سبحانه الإنسان على حب الشهوات، وجعل الزواج وسيلة لتحقيق هذه الفطرة وتحصينا للناس من الوقوع في الفاحشة وحفظ الأنفس. فالعلاقة الزوجية عبادة؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “رَحِمَ الله رجلًا قام من الليل، فَصَلى وأيْقَظ امرأته، فإن أَبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا الماء، رَحِمَ الله امرأةً قامت من الليل، فَصَلَّتْ وأَيْقَظت زوجها، فإن أَبَى نَضَحَت في وجْهِه الماء” 1.
هذا الدعاء بالمرحمة لكل منهما إذا تعاونا على مرضاة الله واغتنام الثلث الأخير من الليل من قيام ودعاء وقراءة القرآن واستغفار، حيث ينزل الغفار الفتاح العليم إلى السماء الدنيا ويقول: هل من مستغفر؟ هل من سائل؟ بهذا الخير تحيى القلوب وتحصل الرحمة والمودة والسكينة وتنجب الذرية الصالحة المصلحة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول من أين لك فيقول باستغفار ولدك لك” 2.
فعلى قدر التفاهم والانسجام بين الزوجين نجني ثمار عظيمة؛ فبصلاحھما يصلح المجتمع. فالأسرة هي آخر معقل من معاقل الإسلام، ووجب الحفاظ عليها. ورغم أن جل المنظمات تسعى جاهدة لتدميرها لكن الله سبحانه وتعالى ضمن لها الاستمرارية، لأن مصيرنا مشترك حتى في الآخرة، ففي القرآن نجد في الصلاة قول الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وفي الزكاة قوله عز وجل: وَآتُوا الزَّكَاةَ، لكن في الإرث فصل في الأرباع والأثمان والأنصاف لكي يحافظ على حقوق الأسرة، لأنه حينما تقع خلافات الإرث تتفكك الأسر.
نخلص إلى أن الزوجية هي موطن الرحمة والسكينة والطمأنينة، وعلى كل واحد من الزوجين أن يؤدي وظيفته في إطار التكامل، لأنها سنة كونية في هذا الوجود لا تبديل لها. فسبحان الواحد الأحد.