أبغض الحلال إلى الله

Cover Image for أبغض الحلال إلى الله
نشر بتاريخ

تحدثنا في موضوع سابق عن أهمية الاستقرار الأسري، ونتحدث اليوم بحول الله عن “الطلاق” أو “الفراق” الذي يهدد هذا الاستقرار، ويهدد معه استقرار الأمة، وذلك بهدم لبنتها الأولى وهي الأسرة. واستحضارا لخطورته وقسوته على مستقبل المجتمع المسلم، وجب التنبيه إلى حكمه الشرعي، وقبل ذلك وجب تعريف الطلاق.

تعريف الطلاق

في اللغة:

الطلاق لغة: هو الحلُّ، ورفع القيد، والسراح، والتحرر. جاء في “لسان العرب” في معنى كلمة “طلاق”:

o طَلَّقت البلاد: فارقْتها.

o طَلّقْت القوم: تركتُهم.

o وطَلاقُ النساء لمعنيين: أَحدهما حلّ عُقْدة النكاح، والآخر بمعنى التخلية والإِرْسال.

o وطَلاقُ المرأَة: بينونتها عن زوجها.

o ورجل مِطْلاق ومِطْليق وطلِّيق وطُلَقة، على مثال هُمَزة: كثير التَّطْليق للنساء.

أما الطلاق في الشرع فهو: حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية، في الحال أو في المآل، بلفظ مخصوص…

حكم الطلاق

مع أنَّ الطلاق مشروع جائز، إلا أنَّ جمعًا من العلماء ذهبوا إلى أنَّ الأصل في الطلاق الحظر والمنع 1، ولا ينبغي اللجوء إليه إلا عند الضرورة. 

يروى عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: “أبغَضُ الحلال إلى الله الطلاق” 2 وهذا الحديث اختلف المحدِّثون في تصحيحه؛ فمنهم مَن صحَّحه كالحاكم والذهبي، ومنهم من ضعَّفه كابن حجر.

قال السرخسي: “وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ مُبْغَضًا فِي الْأَصْلِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَا يُبَاحُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «لَعَنَ اللَّهُ كُلَّ ذَوَّاقٍ مِطْلَاقٍ» وَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ نُشُوزٍ فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»3.

وإن الحياة الزوجية مبنية على الرحمة والمودة والرفق والمعاشرة بالمعروف، وما تحمله من معان جليلة في حسن المعاملة واللين والصبر وتحمل الأذى، حفاظا على رباط الزواج أو الميثاق الغليظ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة” 4

وقال – رحمه الله – أيضا: “ولولا أن الحاجة داعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول، ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا” 5.

ومن أدلَّة القائلين بهذا الرأي:

– قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (سورة النساء، الآية: 19).

ووجه الدلالة: أن الآية دليل على أنَّ إمساك الزوج لزوجته مع كراهته لها مندوب إليه؛ مما يدل على أن الطلاق مكروه، قال ابن العربي: “قال عُلَماؤنا: في هذا دليلٌ على كراهية الطلاق” 6.

– الحديث السابق: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»

ووجه الدلالة: أن كون الطلاق مبغضا إلى الله – عز وجل – يقتضي رُجحان تركه على فعله. قال الدكتور محمد الوردي: “والحاصل أن الطلاق تعتريه الأحكام الخمسة (قد يكون الطلاق واجبا، وقد يكون محرما، وقد يكون مباحا، وقد يكون مندوبا إليه)، فالأصل فيه أنه مكروه إذا أوقعه الزوج من غير سبب له، أو دافع يدفعه إلى إيقاعه” 7.

وإذا عُلم أن الأصل في الطلاق الحظر والمنع، للأدلة السابقة، فإنه ينبغي للزوج العاقل ألا يقدم عليه إلا لحاجة معتبرة، فالطلاق ليس بالأمر الهين؛ إذ إنه حل لرباط شرعي رعاه الشرع وحماه، وهو رباط الزواج الذي وصف الله تعالى ميثاقه بالميثاق الغليظ؛ قال تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚأَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا  (20)وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) (سورة النساء).

ومن أجل بناء صرح المجتمع على أساس متين وجبت تقوية لبنته الأولى؛ وهي الأسرة. لذا ينبغي أن تكون العلاقات الزوجية خالية من المشاكل التي تنغص الحياة على الزوجين، والتي تنعكس سلبا على الأبناء، وبالتالي على المجتمع.

إن الرجل يبذل جهدا كبيرا من أجل الزواج والحصول على زوجة صالحة، والزوجة الصالحة نعمة من نعم الله تعالى على الرجل في الدنيا؛ قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» 8. لذا وجبت المحافظة على هذه النعمة، وتفادي الطلاق لأتفه الأسباب.

إن المجتمع المسلم في أمس الحاجة إلى البحث عن سبل الاستقرار، واستقرار المجتمع نابع من استقرار الأسر، وهذا الأخير بدوره ناتج عن استقرار الزوجين بالمحافظة على أقدس عقد في الحياة؛ وهو عقد الزواج.

ومع ذلك، فإنه لا يمكننا أن نتوقع نهاية للطلاق، فقد تكون له مبررات في القليل من الأحيان. ويكون له داع عندما تكون الحياة الهنيئة بين الزوجين مستحيلة.

وللوقاية من الطلاق بشكل عام، يلزم اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى تقرباً إليه بالاستزادة من العبادات والنوافل والصبر والدعاء، فما جهد الإنسان وعمله وكده وتعبه إلا أسباب، وإن لم نوكل الأمر لمن بيده الأمر فلن نحصد من تعبنا هذا إلا بوارا وخسرانا مبينا.

نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بهذه الكلمات، وأن تتحقق المودة والرحمة بين كل زوجين، وأن ينعما بالسعادة والهناء وطيب العيش ورغد السكينة، إنه ولي ذلك ومولاه. والحمد لله رب العالمين.


[1] انظر: “المغني”، لابن قدامة، 7/277. “أحكام القرآن”، لابن العربي، 1/469. “نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية”، للزيلعي، 3/424.
[2] رواه أبو داود وابن ماجه، ورواه الحاكم في “المستدرك”، والدارقطني في “سننه” من حديث مكحول عن مُعاذ بن جبل بلفظ: «ما خلق الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق»، ورواه البيهقي في “السنن الكبرى” مرسلاً.
[3] “المبسوط”، للسرخسي، 6/2.
[4] “مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية”، 32/293.
[5] نفسه، 3/74.
[6] “أحكام القرآن”، ابن العربي، 1/469.
[7] “محاضرات في فقه الأسرة: الزواج والطلاق”، محمد الوردي، ص.92.
[8] رواه مسلم (1467).