تزداد وتيرة التقدم والتطور بالمجتمعات بسرعة خاطفة يوما عن آخر وتخضع لدورة كونية تلزمنا بتربية أبنائنا على أنهم جزء لا يتجزأ من متغيرات المجتمع، على إثر ذلك يجب ألا يكونوا مجرد أشخاص خارج دائرة الفعل والتغيير يدورون فقط في فلك الآخرين الذين يفعلون ويغيرون بعيدا عن الاهتمام بآرائهم وتحقيق احتياجاتهم، بل لا يحس حتى بوجودهم وكينونتهم فيظل المجتمع مليئا بدونهم وإن رحلوا عنه مؤقتا أو إلى الأبد، ويحسون بغربة وعزلة داخل الأرض والوطن ليأتي عليهم يوم يقفون متطلعين أمام مرآة الواقع متسائلين عن هوياتهم وأدوارهم في هذه الحياة، باحثين لأنفسهم عن عنوان بعد معاناتهم من وجود شبيه بالعدم، يعيشون ليستهلكوا أكثر مما ينتجون، لا يحس بوجودهم أحد حتى إن وجدوا بمكان مليئ بالبشر، فيكونون مجرد أسماء في السجلات المدنية أو أرقام في الإحصاءات الدولية أو ,,, وإن ماتوا لا يتذكرهم أحد فيضافون إلى صفحات تغطيها الغبار ويطويها النسيان كأنهم ما تلذذوا طعم الحياة والوجود يوما.
كل ذلك لأننا لم نقم بدورنا منذ حداثة سنهم_ظانين أنهم لا يفقهون جدية الخطاب_لتوعيتهم بالدور المنوط بهم في هذه الحياة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم ولم نشركهم في صناعة الحياة، بما استطاعوا من إمكانات ومؤهلات نحفزها ونشجعها بداخلهم حتى تكبر وتنمو معهم متعهدة مصونة، لتظهر وقت الاحتياج لها لماعة تضيء الكون ومكان تواجدهم، فنحقق الوجود الحق معا بالاجتماع والتعاون والتآلف والتعايش والتواصل والفعالية وقول الحق وأداء الواجب والدفاع عن الحق ونبذ الظلم ودك أركانه أينما حل وارتحل.
ما أحوجنا إلى جيل راسخ الأقدام تابث العزائم تتحقق على أيديه جلائل الأعمال ويركب سفينة التطور والازدهار في مختلف ميادين الحياة. وكم يحز في نفوسنا اليوم رؤية رجال لم نخبرهم أمسا أنهم مكلفون مسؤولون يسيرون على هامش الركب تحركهم أيادي لطختها الأنانية، تعبث بإراداتهم الجوفاء وتسخرهم أذرعا واهية بأبخس الأثمان حتى إذا قضت منهم طوحت بهم بعيدا واتهمتهم بالانحراف وبساطة الفكر واعتبرتهم حثالة الزمان.
ما الأجيال المتنكرة للأوطان الساعية لتحقيق مصالحها الخاصة الناصرة لذاتها على حساب مصلحة العامة، المفسدة في الأرض نهبا وسرقة وظلما استبدادا و,,, تحت شعارات وهمية لا أساس لواقعيتها إلا نتاج تربية لم تعلم نشأها حب الخير للغير مكرسة حب الذات، لم تعمل جاهدة للتحسيس بجسامة المسؤوليات وضرورة حفظ الأمانات على قنطرة العبور من الدنيا إلى الآخرة.
إن التربية الحقة المرجوة خادمة لمستقبل الأمم ومصالح البشرية جمعاء، حيث يتلذذ الإنسان بشعوره بإنسانيته، بكيانه، بكرامته وحريته و,,, كأساسيات متمثلة في واقعه، لا شعارات وعناوين عريضة على أوراق ميتة منسية تفقد الحياة الكريمة معانيها. وما التربية الملغية للتوعية بحدود الحق والواجب وأصول تحمل المسؤولية على الأرض و,,, إلا سوس ينخر أجسام الأمم مهما كانت قوتها فتتهاوى متأخرة متساقطة مهما طال تشامخها وتعاليها.