دعا الإسلام إلى مكارم الأخلاق، وحباها مكانة عظيمة تظهر من خلال المنزلة التي يحظى بها المتخلق بالأخلاق الفاضلة في الحياة الدنيا والآخرة؛ عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ، وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدِّقون والمتفيهقون”، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: “المتكبِّرون” (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
نستشف من الحديث أن حسن الخلق منهج تطبيقي عملي، طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه ومع غيره، قال فيه الله سبحانه تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]، فكانت النتيجة بالتبع محبته والاقتداء به، فارتقت الأخلاق وعم الوئام والائتلاف، وتوطدت العلاقات، ابتداء من أسرة مستقرة ووصولا إلى أمة راقية، قائدة، متماسكة، وقوية.
بالمقابل، فإن سوء الأخلاق يفضي بالأمة لا محالة إلى التشرذم والهلاك، فمخالفة السلوك الأخلاقي لمنهج الكتاب والسنة بالإتيان بأضداد الفضائل والقيم الإسلامية، يؤثر بشكل مباشر على العلاقات الإنسانية، ويؤدي إلى قطع وشائج المحبة والوصال، خاصة مع الأهل والأحباب.
والسنة النبوية، كما تدلنا على الأعمال الفاضلة، فإنها تبين لنا أيضا المقدار المطلوب، فلا تبخيس ولا مغالاة، فإكرام الأقارب مثلا خصلة محمودة ولكنها إذا زادت عن الحد انقلبت إلى إسراف وإن قصر المرء فيها كان بخلا، والغبطة مشروعة كمدخل للتنافس على طلب الكمال، فإذا تعدت ذلك وأصبح الإنسان يتمنى زوال النعمة عن المنعم بها صارت حسدا مذموما.. لذلك نجد المجتمع يعج بمظاهر قد تبدو في شكلها حميدة ولكنها في الحقيقة بعيدة عن مطلب ومقاصد الشرع، ذلك أن منبت السلوك الظاهر على الفرد قلبه، لذلك كان لزاما على المسلم الاعتناء بصفائه وصلاحه، فتصدقه الجوارح ويأتي العمل موافقا للمطلوب شرعا. وما انتشار أعراض الغيبة والنميمة والحسد وسوء الظن والكبر.. وغيرها إلا دليل أمراض القلوب، لذلك تكون النتيجة الحتمية الشحناء والبغضاء والفرقة وقطع صلة الرحم، سواء على مستوى الأسرة الصغيرة أو الممتدة أو بين الجيران والناس أجمعين.
وقطع الرحم بدوره يلحق بالأفراد والمجتمعات الضرر النفسي والمادي والاجتماعي.. وجنوح أهل الصلاح إلى الابتعاد عن مخالطة من يُرى فسادهم من أفراد الأسرة، يفوت عليه مطلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإسداء النصح والصبر.. ويعرضه إلى غضب الله تعالى؛ عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الرَّحِمُ شِجْنَةٌ، فمَن وصَلَها وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَها قَطَعْتُهُ” (صحيح البخاري، 5989).
لو وضع الناس هذا الحديث نصب أعينهم، واستحضروا مصيرهم في الآخرة، وتحلوا بخشية الله تعالى وطاعته، لوجدوا أنفسهم طيعة لإتيان أوامره عز وجل وترك نواهيه والابتعاد عن عصيانه.. ولالتمسوا رضا الله من حيث دل عليه سبحانه وتعالى؛ فوصلوا الله عز وجل بصلة أرحامهم راجين وصله ورحمته إياهم.