هكذا نعاك الأستاذ محمد عبادي حفظه الله، يوم رحيلك في 15 يناير 2011.
أهديك هذه الكلمات، بعد مرور أحد عشر عاما، عساها تكون لنا رحمة ونورا نستنير بسراجها في الطريق، وعسى قارئها يفيق من الغفلة والهذيان.
نتذكر كلمة صدق قالها في حقك الأمين العام في زمن النسيان لسيرة الرجال.
والدي الحبيب؛
عشتَ رحمك الله مع صاحب المنهاج النبوي زمانا، وركبت معه سفينة اقتحام بحر عميق تتلاطمه أمواج الطوفان. إبحار في زمن عَزَّ فيه الرجال، ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هود (41).
رفع الإمام أشرعة سفينة رحلة الإسلام أو الطوفان، وركب معه السفينة رجلان. انطلقت رحلة الرجال ونادوا أن “اركب معنا يا غلام، لننصر شوكة الإسلام”.
يا أبت
عشتَ مع المنهاج حالا ومقالا، وصحبتَ الإمام صدقا وبرهانا. منذ أن كان المنهاج فكرة سطرها الإمام في كتابي “الإسلام بين الدعوة والدولة” وكتاب “الإسلام غدا” ونضجت في كتاب “دولة القرآن”، وأصبح مشروعا تربويا وتنظيميا لجماعة العدل والإحسان.
كما دونتَ أحاديث شعب الإيمان التي كان يُمليها عليك الإمام المعتقل في مستشفى الأمراض العقلية بمراكش عام 1976، وأنت حديث عهد من الخروج من معتقل مولاي الشريف الرهيب، بسبب رسالة “الإسلام أو الطوفان”. كنتَ تبيت ليالي مع الإمام المعتقل تؤصلان الخصال العشر: الصحبة والجماعة والذكر والصدق والبذل والعلم والعمل والسمت والتؤدة والاقتصاد والجهاد، حتى يرشد الغلام ويحمل بدوره لواء العدل والإحسان.
منذ صباي كنتُ أُحس بنبض قلبك الذي كان يعزف سامفونية لا يتذوق إيقاعها إلا عاشق محب ولهان. كما لامستُ معك تطور فهمك لمعنى المنهاج، كنت تخبرني بمغزاه، كلما جالستَ الإمام، فأصبحتَ بحق ترجمان المنهاج.
أبي الغالي
تعلمتُ منك وما زلت، رحمك الله كل قيم النبل والوفاء. أحببتُ بمحبتك من أحببتَ منذ شبابك إلى آخر لحظات حياتك وهو يودعك على أن الموعد الله.
تعلمتُ منك وما زلت، رحمك الله الصبر والمصابرة. صبرتَ على داء الجسد وشكرتَ الله الأحد.
ضعُف البصر ووهبك الله قوة البصيرة. وهن العظم وخفت الروح بالذكر والصلاة على الحبيب.
لم يعف عجز الجسد من إيصال سفينة الدعوة إلى شاطئ النجاة.
تأديتَ من كثير من الناس، لكنك عاملتهم بالمحبة والعناق. دعوتَ الشباب لصحبة الإمام واغتراف علم المنهاج في محاضن الذكر والصدق والعلم والعمل، لاكتساب مجموع من شعب الإيمان.
سلكتَ طريقا وعرا ووفقك الله للاقتحام بصحبة الإمام، وكان دعاؤك دائما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف:(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل عليّ سخطك، لك العقبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك).
أبي الحنون
ألبست من أحبك ثوب الرضا، فكان نِعم الزاد في الطريق. أهديت خلق الله الابتسامة وجزاك الله ما تمنيت: تشييع آلاف محبيك وتلامذتك لمثواك الأخير. تربعت في قلوب الرجال والنساء بدون حول منك ولا قوة عطاء من رب كريم.
قلت يوما لسيدي محمد العلوي السليماني وكنت بينكما: “محبة سيدي عبد السلام سكنت قلبي، وأسقت وجداني بمحبة كل من يلتف حول مصحوبي. أسأل الله أن يجعل حبل الصحبة والجماعة ممتدا من الدنيا إلى الآخرة”.
في الأيام الأخيرة من حياتك في هذه الدنيا الفانية، أقعدك المرض في مقعدك الذي جعلته محرابا، وأصبح لسانك عاجزا عن الخوض في أي حديث إلا حديث الآخرة. أغمضتَ عينيك على إبصار ألوان الدنيا وأشكالها، لكن الله عز وجل فتح بصيرة فؤادك على عالم لا يلمس أبعاده إلا أهل الذوق والشوق. كلما أردتُ أن أنظر إلى عينيك، ذكرتكَ بالإمام ومناقبه، وتقابل ذلك بابتسامة عريضة ونفَس عميق.
غرستَ في محيط سكنك فسائل أصبحت أشجارا سامقة، انحنت يوم رحيلك حزنا على ابتعاد يدك الشريفة على أوراقها. احتضنتَ شبابا وأرشدتهم لمحبة الله ورسوله والمؤمنين، فحجوا من كل حدب وصوب لوداعك يوم رحيلك.
رحل جسدك الطاهر وبقيت روحك المطمئنة حاضرة في كل مكان وزمان، تذكر الناسي بأن الصحبة مفتاح والجماعة ملاذ، وحمل مشعل الآباء مسؤولية الأبناء، والعبرة بالأفعال وليست بالكلام.
والموعد الله