احتفلت جماعة “العدل والإحسان” مؤخراً [منتصف شهر دجنبر 2014] بالذكرى الثانية لرحيل الشيخ عبد السلام ياسين، بحضور العديد من الضيوف المغاربة والأجانب.
ضمن لائحة المتدخلين الذين أدلوا بكلمة في سياق تخليد الذكرى، تحدث عبد الرحيم الشيخي، الرئيس الجديد لحركة “التوحيد والإصلاح”، الحليف الاستراتيجي لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي.
توقفت كلمة الشيخي عند ثلاث نقاط مفصلية، أقرّ بأنها تستحق التنويه، منها موضوع استحضار الفقيد ياسين لسؤال الآخرة، تطليقه للعنف، ومعاداته للسرية.
ثمة ثلاثة مُميزات جعلت جماعة “العدل والإحسان” حركة إسلامية مغربية خالصة، وجعلتها متميزة عن باقي الحركات الإسلامية، بصرف النظر بالطبع عن موقفها من المؤسسة الملكية ومؤسسة إمارة المؤمنين، ومن طبيعة الإصلاح المرجو (أن يكون من بوابة “الإصلاح من الداخل” على غرار باقي إسلاميي الساحة، وفي مقدمتهم حركة “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية”، أو عبر “الإصلاح من الخارج”)، وبصرف النظر ـ خصوصاً ـ عن مآل الجماعة في حقبة ما بعد رحيل الشيخ المؤسس:
1 ــ هناك أولاً تطليقها لخيار العمل السري؛ 2 ــ وهناك ثانياً نبذها العنف؛ 3 ــ وهناك أخيراً، فك ارتباطها بتنظيمات إسلامية حركية في الخارج، سواء كانت سلفية وهابية [وهذا تحصل حاصل] أو إخوانية.
كيف حصل ذلك؟ هذا سؤال كبير، قد نختزله، بشكل عابر، في الأصول الفكرية والممارسة العملية لمرشد الجماعة ــ بحكم أنه مؤسس الجماعة ــ وبالتالي مُنظر ومُسطّر أدائها الميداني، ومعلوم أن الراحل، مرّ عبر التجربة الصوفية [الأخلاقية]، عندما كان مريداً في الطريقة القادرية البودشيشية.
في معرض التفاعل النقدي مع الظاهرة “الإسلامية الجهادية” (“السلفية الجهادية” نموذجاً)، خلصنا إلى أن “الصوفي لا يُفجر نفسه”، وهذه قاعدة تكاد تكون مُسَلّمة [Postulat]، ليس في مجالنا التداولي الإسلامي وحسب، ولكن في باقي المجالات التداولية بشكل عام، لأنها مرتبطة بالممارسة الصوفية من القِدم، مع فارق أن الممارسة الصوفية عند المسلمين، تتميز بأنها جاءت في ما يصطلح عليه الفيلسوف المُجدّد طه عبد الرحمن، بـالزمن الأخلاقي الإسلامي)، والإحالة هنا على زمن أخلاقي يقوده أخلاقياً، خير البرية، المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، الذي جاء رحمة للعالمين من جهة [العالمين هنا، يُقصد بهما الإنس والجان، حسب بعض الباحثين في علم الحديث]، وجاء أيضاً ــ بيت القصيد ــ ليُتمّم مكارم الأخلاق.
مرور الشيخ عبد السلام ياسين عبر التجربة الصوفية، يقف، بشكل أو بآخر، وراء رفضه المطلق تبني العنف، بله ممارسة العمل السري، ومن هنا أيضاً تبعات رفضه الارتهان إلى تنظيمات إسلامية حركية في الخارج، من قبيل “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين”، وليس صدفة ــ بالنتيجة، إذاً ــ أن يغيب أعضاء من جماعة “العدل والإحسان” عن لقاءات هذا التنظيم التي عقدت خلال السنين الأخيرة (نخص بالذكر لقاء إسطنبول التركية، يوم 10 يوليو 2013 حتى 17 منه، ولقاء لاهور بباكستان يومي 25 و 26 شتنبر 2013، في سياق التفاعل مع أحداث مصر وإسقاط الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الرجل الثالث في الجماعة، بعد مرشدها الحالي، محمد بديع، وخيرت الشاطر).
نحن إزاء مُحدّدات ثلاث جعلت من الجماعة، على عهد مرشدها ومؤسسها، تتميز عن باقي الإسلاميين المغاربة، لأن هؤلاء تورطوا، بشكل أو بآخر، في تبني خيار مضاد لإحدى تلك المُحدّدات، سواء بالأمس أو اليوم: بمعنى التورط في تبني العنف (في ما مضى)، أو ممارسة السرية (وهذا أمر لا زال قائماً اليوم، ولكن بشكل أقل حدة، مقارنة مع قلاقل الأمس)، وإما التورط في الانتماء العاطفي أو الميداني لتنظيمات إسلامية حركية إقليمية أو دولية.
تبني الجماعة [عبر بوابة وتأثير المرشد والمؤسِّس] خيار اللاعنف، يُفسر سلمية أغلب مواقفها الميدانية في الساحة، بما في ذلك ما جرى مع أحداث “الحراك العربي”، في نسخته المغربية، والذي كانت الجماعة نواته التنظيمية الأكبر وزناً، مقارنة مع باقي التنظيمات المشاركة، والذي فقد بريقه التنظيمي بشكل جلّي بُعيد انسحاب شباب الجماعة منه، وفقد وزنه بشكل أكبر، بُعيد المستجدات التي صاحبته (الخطاب الملكي المؤرخ في 9 مارس 2011، التصويت على دستور فاتح يوليو 2011، والانتخابات التشريعية المؤرخة في 25 نوفمبر 2011، والتي أفضت إلى فوز حزب “العدالة والتنمية” بأكبر عدد من أصوات الناخبين، وقيادته بالتالي حكومة “الحراك المغربي”).
الاختلاف مع مشروع الراحل عبد السلام ياسين، أمر وارد داخل العمل الإسلامي الحركي، بله مع باقي الفرقاء السياسيين والجمعويين، ولكن هذا الاختلاف [والاختلاف سُنّة الحياة]، لا يعفي المراقب والمتتبع لأداء الجماعة، من التنويه والإشادة بانتصار مرشد الجماعة الأول لسؤال التربية والدعوة، ولو أن سؤال السياسة يؤرق رحابة العمل الدعوي والتربوي، لولا أن هذا الأرق لا يُقزم البتة من تميز الجماعة بمقتضى المُحدّدات سالفة الذكر.