الخامس من يونيو من كل سنة، يؤرخ لهزيمة النظام العربي الرسمي أمام الكيان الصهيوني المزروع بأرض فلسطين كرأس حربة للمشروع الغربي الاستعماري في قلب الأمة، وللتذكير فقد دخل كيان العدو حرب يونيو 1967 بأهداف أساسية أربعة وهي:
1- تحقيق السيطرة العسكرية على مزيد من الأراضي العربية.
2- استعراض قوة الردع العسكري الاستراتيجي الصهيوني.
3- فرض التطبيع بشتى أنواعه على العرب من موقع القوة.
4- زيادة قوة استقطاب يهود العالم واستيعابهم في المشروع الصهيوني.
ترى هل حقق المشروع الصهيوني أهدافه بعد أربعة عقود على هذه الحرب؟ وهل الدور الوظيفي لكيانه لا زال قائما؟ وما هي آفاق استمراره شوكة في خاصرة الأمة؟
التوسع الجغرافي الاستيطاني.. من التمدد إلى التقلص !!!
“أتمني أن أستيقظ وأجد غزة وقد ابتلعها البحر” أمنية قديمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، تلخص تأففا واضحا ومعانات كبيرة بسبب ثقل فاتورة احتلال قطاع غزة على جيش العدو نتيجة المقاومة الفلسطينية الباسلة.
نعم، لقد جاء اليوم الذي خرج جيش العدو يجر ذيول الهزيمة من غزة أمام شعب لم يخضع لسياسة تكسير العظام التي ابتدعها رابين المقبور، و ظل شامخا يقاوم آلة الحرب الصهيونية.
ومن غرائب الأقدار أن يتم هذا الإنسحاب المخزي سنة 2005 م على يد المجرم شارون الملقب ب “أبو الإستيطان- الجرافة” و يليه تفكيك المستوطنات التي زرعت منذ 1970 م.
يضاف إلى ذلك انسحاب جيش العدو المهين في جوف الظلام من جنوب لبنان بفعل حرب الاستنزاف وضربات المقاومة اللبنانية عام 2000م، من دون أي اتفاق أو شرط في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع “العربي الإسرائيلي”.
غير هذا، انسحاب جيش العدو من أراض مصرية وأردنية بعد اتفاقات “سلام”.
ويعضض المطالب الفلسطينية بتحرير الأرض ومحاربة سياسة الاستيطان الاحتضان القوي من طرف العرب والمسلمين لها ووقوف منظمات دولية بقوة بجانبها، وما النقاش القوي الدائر حول مساواة الصهيونية بالعنصرية والتنديد بجدار الفصل العنصري إلا تجل من تجليات مساندة الشعب الفلسطيني في هذا الباب.
قوة الردع العسكري الصهيوني.. إلى ضعف!!!
قبل أيام صرح زعيم المعارضة نتنياهو في جلسة برلمانية انعقدت لمطالبة أولمرت بالاستقالة قائلا: “إن فشل الحكومة في مجابهة قوات حزب الله في حرب تموز 2006 والمضاعفات التي ولدتها جعلت درجة الردع الإستراتيجي الإسرائيلية في أدنى مستوياتها إلى حدٍ يشجع بعض الدول بشن حرب وحدها على إسرائيل”.
و في نفس السياق دعا أبراهام بورغ رئيس الكنيست سابقا الإسرائيليين إلى الحصول على جوازات سفر غير إسرائيلية مشيراً إلى أن أكثر من 50% من الإسرائيليين لا يريدون لأبنائهم العيش في إسرائيل، وقال: إن النخبة الإسرائيلية بدأت تنفصل عن هذا المكان ودون النخبة لا يوجد شعب.
إذا كان من درس يستشف من هذين التصريحين لعينة من صناع القرار بكيان العدو فهو: فقدان الأمان في قوة الردع الاستراتيجي لجيش الإحتلال، يتبعه تلاشي الثقة في “الوطن الموعود” الذي أضحى “وطن الرعب” بفعل ضربات المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
حزب الله اللبناني لوحده مرغ “كبرياء” جيش العدو في وحل الجنوب خلال حرب 2006 م، ترى كيف يكون الحال لو تخلصت الشعوب العربية من حكامها المطبعين وامتلكت قرارها السياسي الحقيقي وأعلنت بالتالي المقاومة والجهاد؟
تطبيع الأنظمة.. يعمق رفض الأمة.
منذ أول اتفاقية سلام فرضت على الشعب المصري سنة 1978 م تحت مسمى “كامب ديفيد” ومؤشر المناعة ضد التطبيع مع كيان العدو في تصاعد بفعل جهود المخلصين من مختلف التيارات وخصوصا الحركة الإسلامية. خارطة رفض التطبيع مع الكيان الغاصب تشمل كل الشعوب العربية وخصوصا من اكتووا بناره مباشرة في فلسطين والأردن ومصر.
والمعول عليه بعد الله تعالى في هذا الصدد فك الارتباط بين القضية الفلسطينية وأنظمة الهزيمة العربية وتبنيها من طرف أوسع قاعدة جماهير عربية مع تقوية البعد الإسلامي والتخلي عن مقولة “أهل فلسطين أدرى بشعابها”، فالتاريخ سجل متاجرة بمصائر الشعوب والقضية الفلسطينية معا من طرف أكثر من حاكم عربي، وكل أحلام التنمية والديمقراطية تبخرت تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” ليبقى الاستبداد والتخلف.
قنبلة الديمغرافيا.. أكبر خطر استراتيجي يتهدد الحلم الصهيوني.
كان حلم بن غوريون وقادة العصابات المؤسسين لكيان العدو أن تأتي ملايين المهاجرين اليهود للاستيطان بأرض فلسطين، و قد اعتمدوا لتحقيق ذلك أشكالا من الترغيب والترهيب ليس أقلها تقديم مساعدات سخية و بالمقابل الإساءة ليهود الدول الأخرى لإجبارهم على الهجرة ل “أرض الميعاد”.
ومع كل الحوافز لم يتعدى عدد سكان الكيان الغاصب 5 ملايين نسمة في حين انخفض عدد المهاجرين خلال العقد الماضي بشكل كبير، ولم يزد خلال عام 2006 م عن 16 ألف مقابل 24 ألف من المغادرين باتجاه بلدانهم الأصلية.
إذا أضفنا إلى ذلك أن نسبة الولادة في أوساط المسلمين هي 4.6 للمرأة الواحدة وهذا ضعف التكاثر اليهودي تقريبا أي 2.6 للمرأة اليهودية (1)، أدركنا حجم الرعب الذي يتملك قادة الإجرام اليهودي بأرض فلسطين ومقدار تخوفهم من الهاجس الديمغرافي في الأمد المتوسط.
هذه حقائق الميدان ووقائع يجريها الحق سبحانه على الأرض، ويبقى من أول أسباب النصر إعداد العدة المأمور بها شرعا يقول الحق سبحانه و تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”(2) بعيدا عن أوهام المطبعين والمتخاذلين نظرا لحتمية المواجهة مع جرثومة الفساد في الأرض: بني صهيون.
ولا يكون الإعداد للقوة الإيمانية والمادية إلا بكفنا عن التعلق بالأحلام وإناطة مستقبلنا بالبطل المحرر والقائد الملهم، والحقيقة الماثلة للعيان تخبرنا أنه “ما أتي المستضعفون من جهة هي أنكى فيهم من أنفسهم، من حكامهم المجرمين، أجرموا وعتوا في الأرض واستكبروا استكبارا وتحالفوا مع المستكبرين لقعود المسلمين عن الطلب ولهبتهم الطفولية مع كل ناعق”(3).
وآخر دعوانا: اللهم نصرك الذي وعدت عبادك المجاهدين.
هوامش:
(1) – صحيفة هآرتس. 25/3/2001، مقال بقلم يئير شيلع.
(2) – سورة الأنفال الآية 16.
(3) – الأستاذ عبد السلام ياسين، كتاب ” العدل- الإسلاميون و الحكم ” ص 398.