أرض فلسطين

ـ في ذكرى الأرض ـ

في الثلاثين من شهر مارس من كل سنة تحل بنا ذكرى الأرض – أرض فلسطين السليبة –  وهي مناسبة للحديث عن هذه الأرض التي خصها الحق سبحانه بعدة خصائص، جعلتها أرضا مباركة ومقدسة.

فعلى هذه الأرض كانت بعثة كثير من الأنبياء والرسل، وكانت مهبطا لكثير من الرسالات، وعلى مسرحها جرت أعظم الأحداث، والحفاظ عليها يعد من أعظم الغايات.

فما هي مميزات هذه الأرض المباركة؟ وما هي دلائل حق الوجود العربي الإسلامي فيها؟ وما هو الرد على ادعاءات اليهود بشأنها؟

1ـ خصائص أرض فلسطين

خص الحق سبحانه وتعالى أرض فلسطين بخصائص رفعتها مقاما عليا، وهي خصائص ومميزات انفردت بها مجتمعة عن غيرها من بقاع الأرض، نذكر منها ما يلي:

ـ أرض فلسطين مباركة: يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الإسراء، الآية 1: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. فالبركة حول المسجد الأقصى؛ وتشمل أرض القدس كلها ومن حولها، جاء في تفسير ”ابن كثير” «إن “الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى”: يعني بيت المقدس وهو إيليا، ومعنى إيليا بيت الله، “بَارَكْنَا حَوْلَهُ” يعني الشام، والشام بالسريانية: الطيب، وسميت بذلك لطيبها وخصبها» ¹. وهذه البركة شاملة لجميع النواحي الإيمانية والأخلاقية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والجهادية. ويصف “سعيد حسين العقاني” هذه البركة بأنها «بركة ربانية مستقرة، ولن ينجح الأعداء في انتزاعها وتفريغها منها مهما بذلوا من جهود بإذن الله تعالى» ². وهذه الأرض هي مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبها المسجد الأقصى الذي كان أولى القبلتين بالنسبة للمسلمين جميعا.

وفي سورة الأعراف، الآية 37، يقول الحق سبحانه وتعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا، والقوم المقصود بهم في هذه الآية هم بنو إسرائيل،  حيث ذكر ”الطبري” أن «” مَشَارِقَ الْأَرْضِ” الشام، وذلك ما يلي الشرق منها: “وَمَغَارِبَهَا” التي باركنا فيها، يقول: التي جعلنا فيها الخير ثابتا دائما لأهلها، وإنما قال جل ثناؤه: “وَأَوْرَثْنَا” لأنه أورث ذلك بني إسرائيل، بمهلك من كان فيها من العمالقة» ³. وقال شيخ الإسلام ”ابن تيمية” معلقا على هذه الآية «ومعلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم» ⁴.

وفي موضع آخر من آيات القرآن الكريم سورة الأنبياء الآية 71، يقول الله عز وجل: وَنَجَّيْنَٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا لِلْعَٰلَمِينَ. والحديث عن هجرة إبراهيم عليه السلام من أرض الكلدانيين في العراق إلى الشام، حيث البركة فيها للعالمين.

– أرض فلسطين مقدسة: يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان موسى – عليه السلام –  مخاطبا قومه في سورة المائدة الآية 21: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ. والمقدسة بهذا المعنى هي المطهرة. وقد اختلف المفسرون في تحديد الأرض المقدسة؛ قال مجاهد: هي الطور وما حوله، وقال الضحاك: إيليا وبيت المقدس، وقال عكرمة والسدي: هي أريحاء، وقال الكلبي: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال قتادة: هي الشام كلها، قال كعب: وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في أرضه  وبها أكثر عباده.

ــ أرض فلسطين خيرة أرض الله وأهلها خيرة أهل الأرض: فأرض فلسطين جزء من أرض الشام، فقد جاء في رواية عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوَالَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيَكُونُ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ”، فَقَالَ رَجُلٌ: فَخِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “عَلَيْكَ بِالشَّامِ، عَلَيْكَ بِالشَّامِ – ثَلَاثًا عَلَيْكَ بِالشَّامِ – فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» ⁵. وفي رواية أخرى عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً؛ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ»، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» ⁶. جاءت أحاديث كثيرة تحث المسلمين على اللجوء إلى الشام والإقامة فيها حين تعم الفتن والحروب في آخر الزمان. فمن رحمة الله تعالى بالأمة الإسلامية أن جعل من هذه الأرض ملجأ وملاذا آمنا من الفتن والملاحم.

– أرض فلسطين أرض المحشر والمنشر: قال الله تعالى في سورة الحشر الآية 2: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ. قال “ابن تيمية” مفسرا هذه الآية «نبه على الحشر الثاني، فمكة مبدأ و’إيلياء’ معاد في الخلق، وكذلك بدأ الأمر. فإنه أسري بالرسول من مكة إلى ‘إيلياء’ ومبعثه ومخرج دينه من مكة، وكمال دينه وظهوره وتمامه. حتى يملكه المهدي بالشام. فمكة هي الأول والشام هي الآخر في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية» ⁷.

 (الْحَشْرِ) أي: الجمع، قال ابن عباس وعكرمة: «من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الآية، وأن النبي قال لهم: (اخرجوا)، قالوا: إلى أين؟ قال: “إلى أرض الحشر”. قال قتادة رحمه الله: هذا أول المحشر. وقال ابن عباس: هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره… وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة» ⁸. وفي رواية أخرى «وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَنَا: «إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ تَجْتَمِعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ⁹. وفي رواية أخرى «عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَخْرُجُ نَارٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَوْ مِنْ نَحْوِ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ قَبْلَ يَوْمِ القِيَامَةِ تَحْشُرُ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ» ¹⁰.

– أرض فلسطين وقف سيدنا عمر بن الخطاب على المسلمين: لما فتح سيدنا عمر بن الخطاب فلسطين لم يقسمها على الفاتحين، بل جعلها وقفا على المسلمين يتوارثونها جيلا بعد جيل، وظلت أرضا إسلامية أربعة عشر قرنا، حيث حافظ على إسلاميتها الأمويون والعباسيون إلى أن سقطت في أيدي الصليبيين، وظلت في أيديهم ما يقارب من تسعين عاما حتى تم تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي، ثم حافظ على إسلاميتها العثمانيون حيث إن «السلطان عبد الحميد الثاني ضحى بكرسي السلطنة في سبيل المحافظة على القدس وفلسطين، إنه أبعد عن الخلافة بسبب إصراره الشديد على إسلامية فلسطين وعدم تنازله عن جزء منها لليهود» ¹¹. وقد اختلطت أرض فلسطين بدماء الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من جنود المسلمين.

– أرض فلسطين بها الطائفة المنصورة إلى يوم الدين: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «بَينا أنا نائمٌ رأيتُ عمودَ الكتابِ احْتُمِلَ مِن تحتِ رأسي فعُمِدَ بهِ إلى الشَّامِ، ألا وإنَّ الإيمانَ حين تقعُ الفتنُ بالشَّامِ» ¹². كما أخبر صلى الله عليه وسلم “أن طائفة من أمته ستظل تقاتل في أرض فلسطين، وأنها ظاهرة على الحق إلى يوم الدين” ¹³. وهذه الفئة من المسلمين هي من أبناء فلسطين المخلصين الذين بُشِّرُوا بالرباط في سبيل الله حتى تقوم الساعة.

– أرض فلسطين أرض الله التي يرثها المسلمون: فالأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده، وسنته في هذه الوراثة أنها تكون لعباده الصالحين والمتقين، يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان سيدنا موسى في سورة الأعراف الآية 128: إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. وفي موضع آخر في سورة الأنبياء الآية 105، يقول الحق سبحانه: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ. وأعتقد أن الأحاديث النبوية التي سبق ذكرها في فضل أهل الشام والمقدس تبين بوضوح أن عباد الله الصالحين والمتقين في هاتين الآيتين المقصود بهما أهل الإيمان المرابطين على ثغور بيت المقدس إلى يوم الدين.

أما الصهاينة المحتلون لأرض فلسطين بدعوى العهد الذي كان بينهم وبين نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي أورثهم هذه الأرض المقدسة، وبدعوى انتسابهم لسيدنا إبراهيم عليه السلام، فهو منهم براء لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مسلما ولم يكن يهوديا ولا نصرانيا، يقول عز وجل في سورة آل عمران الآية 67: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. ودعا ربه عز وجل أن يجعل ذريته – نسله – أمة مسلمة، يقول سبحانه وتعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام في سورة البقرة الآية 128: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ، وفي موضع آخر من نفس السورة الآية 132، يقول الحق سبحانه: وَأَوْصَى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

2ـ الرد على ادعاءات اليهود في أرض فلسطين

يحاول اليهود الغاصبون لأرض فلسطين نشر الأكاذيب والأساطير بالحق التاريخي لهم بملكية أرض فلسطين، ويستندون في ذلك  إلى نصوص دينية من توراتهم المحرفة. والحقيقة أن هذه الأرض فلسطينية دخلها الإسلام وورثها المسلمون، وستبقى كذلك إلى يوم الدين. أما الرد على ادعاءات اليهود فيمكن اختصاره كما يلي:

– لا صلة بين اليهود المعاصرين والعبرانيين القدامى: والحقيقة أن معظم اليهود المعاصرين لا صلة لهم بالعرق السامي للعبرانيين الذين سكنوا أرض فلسطين، بل هم من أصول آرية تهوّدت عبر التاريخ، يقول الدكتور “كارنييف”: «والواقع لا يوجد أي صلة بين اليهود المعاصرين واليهود القدامى غير صلة الدين، ومن وجهة نظر العلوم الإنسانية فاليهود قد اختلطوا بعشرات الشعوب الأخرى، وهم بذلك لا يملكون أرضا ثابتة، أو لغة واحدة، أو ثقافة متجانسة، أو حياة اقتصادية واحدة، ولهذا لا يعتبر اليهود المعاصرون شعبا، وبالتالي فإنهم لا يشكلون قومية» ¹⁴.

وبمقابل ذلك أكد بعض الباحثين صلة عرب فلسطين بأرض فلسطين، ومنهم  ”ميلر بورز” أستاذ الدراسات التوراتية بجامعة بيل في الولايات المتحدة الأمريكية، يقول: «إن صلة الأمة العربية بفلسطين صلة حقيقية ومباشرة، وهي أقوى وأوثق من الصلة التي تربط أبناء إسرائيل بأرض كنعان. وأما عرب فلسطين على وجه الخصوص فإننا نجد أن البلاد هي وطنهم التاريخي، بمعنى أنهم وأسلافهم فقط عاشوا طوال أجيال وقرون كاملة، وصلتهم حية ومستمرة بفلسطين» ¹⁵.

– العبرانيون القدامى كانوا بدوا رحلا: تشير المصادر التوراتية إلى أن السكان الأصليين لأرض فلسطين هم الكنعانيون، وتصف الأرض بأنها أرض فلسطينية. وتذكر المصادر التاريخية أيضا أن العبرانيين – أصل اليهود المزعوم – كانوا قبائل بدوية صحراوية ترحل من مكان لآخر بحثا عن الكلأ والماء، ولم يكن لهم استقرار في بلد واحد. وقد أشار ”أحمد شلبي” أن «جماعة منهم جاءت إلى أرض فلسطين سنة 2000 ق.م أو سنة 1850ق.م، أي بعد استقرار الكنعانيين بمئات السنين» ¹⁶.

– أرض فلسطين حسب التوراة أرض غربة لسيدنا إبراهيم ونسله: حسب النصوص التوراتية فإن سيدنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى عليهم السلام كانوا غرباء وسط الكنعانيين والفلسطينيين سكان الأرض الأصليين. ومن هذه النصوص التوراتية نذكر ما جاء في سفر التكوين:

“وَلَمَّا صَارَتِ ٱلشَّمْسُ إِلَى ٱلْمَغِيبِ، وَقَعَ عَلَى أَبْرَامَ سُبَاتٌ، وَإِذَا رُعْبَةٌ مُظْلِمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِأَبْرَامَ: «ٱعْلَمْ يَقِينًا أَنَّ نَسْلَكَ سَيَكُونُ غَرِيبًا فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ لَهُمْ” (التكوين 15: 12-13).

“وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ ٱلزَّمَانِ أَنَّ أَبِيمَالِكَ وَفِيكُولَ رَئِيسَ جَيْشِهِ كَلَّمَا إِبْرَاهِيمَ قَائِلَيْنِ: «ٱللهُ مَعَكَ فِي كُلِّ مَا أَنْتَ صَانِعٌ.  فَٱلْآنَ ٱحْلِفْ لِي بِٱللهِ هَهُنَا أَنَّكَ لَا تَغْدُرُ بِي وَلَا بِنَسْلِي وَذُرِّيَّتِي، كَٱلْمَعْرُوفِ ٱلَّذِي صَنَعْتُ إِلَيْكَ تَصْنَعُ إِلَيَّ وَإِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي تَغَرَّبْتَ فِيهَا» (التكوين 21: 22-23).

“فَقَالَ يَعْقُوبُ لِشَمْعُونَ وَلَاوِي: «كَدَّرْتُمَانِي بِتَكْرِيهِكُمَا إِيَّايَ عِنْدَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ ٱلْكَنْعَانِيِّينَ وَٱلْفِرِزِيِّينَ»” (التكوين 34: 30).

“وَكَانَ فِي ٱلْأَرْضِ جُوعٌ غَيْرُ ٱلْجُوعِ ٱلْأَوَّلِ ٱلَّذِي كَانَ فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ، فَذَهَبَ إِسْحَاقُ إِلَى أَبِيمَالِكَ مَلِكِ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ، إِلَى جَرَارَ.  وَظَهَرَ لَهُ ٱلرَّبُّ وَقَالَ: «لَا تَنْزِلْ إِلَى مِصْرَ. ٱسْكُنْ فِي ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِي أَقُولُ لَكَ.  تَغَرَّبْ فِي هَذِهِ ٱلْأَرْضِ فَأَكُونَ مَعَكَ وَأُبَارِكَكَ” (التكوين 26: 1-2-3).

– المماليك اليهودية المقامة على أرض فلسطين كانت صغيرة وفي فترة زمنية قصيرة: تذكر المصادر التاريخية أيضا أن المماليك التي أقامها أنبياء وملوك بني إسرائيل على أرض فلسطين، أخذت حيزا محدودا من أرضها، ولم تعمر إلا فترة زمنية قصيرة، فلم يدم حكم داود وسليمان عليهما السلام للقدس أكثر من 74سنة (1004ق.م – 923ق.م). وحتى هذه الفترة الزمنية القصيرة لم تكن لهما السيطرة الكاملة على الأرض، بل تخللتها السيطرة غير المباشرة تارة للفنيقيين وتارة للمصريين، حيث أكد جورجي كنعان أن «سفر التوراة تصرح بأن الفلسطينيين ظلوا يتملكون في هذه الأراضي الجنوبية الساحلية الخصبة، وأن الكنعانيين والفنيقيين ظلوا صامدين في المناطق الشمالية» ¹⁷.

خاتمة

وخلاصة القول إن أرض فلسطين عربية الهوية والتاريخ، وأصبحت بعد الفتح الإسلامي إسلامية الهوية والانتماء. وهي أرض مباركة مقدسة سكنها عدد من الأنبياء والمرسلين عبر التاريخ باعتبارهم مسلمين. وتبعا لذلك فإن المسلمين من أهل فلسطين هم الورثة الشرعيون لأرض فلسطين حتى قيام الساعة. ومن هذا المنطلق فلا يحق لأحد أن يتفاوض مع الاحتلال الصهيوني على هذه الأرض سواء على حدود 1967م، أو بتقسيم القدس الشريف إلى شرقية وغربية، بل المطلوب طرد الاحتلال الصهيوني من جميع الأرض والعمل والاستعداد لتحقيق وعد الآخرة الموعود على أرض فلسطين كاملة، يقول الحق سبحانه في سورة الإسراء الآية 108: وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا.