بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
ورقة أرضية لندوة فكرية تحت عنوان:
طوفان الأقصى والخطر الصهيوني : التداعيات الإقليمية والتحولات العالمية
يعيش العالم اليوم على وقع أحداث جسام، وتحولات متسارعة كشفت أن الإنسانية تقف على عتبة انعطاف تاريخي وتتهيأ لولوج عهد عالمي جديد، سواء على مستوى الدول والمنظمات أو على مستوى التقاطبات والتحالفات. ومن أبرز هذه التحولات عودة قضية فلسطين عموما، ومحنة أهل قطاع غزة المحاصرين خاصة، لتحتل مركز الاهتمام وبؤرة الأحداث والتفاعلات. فقد تجاوزت موجات الوعي بالقضية ومظاهر التعاطف معها وأشكال إسنادها حدود الجغرافيا والتاريخ، ومحددات اللغة والدين والانتماء، لتغدو عنوان يقظة الضمائر ومؤشر حياة القلوب وعنوان وحدة الإنسانية.
لقد فضحت الأحداث المتسارعة التي أفرزها طوفانُ الأقصى حقيقةَ المشروع الصهيوني، وكشفت مدى عدوانيته وعنصريته وتهديده لاستقرار الإنسانية، وسلّطت الضوء على خطورة تحكمه في مجالات عديدة تمتد من الإعلام إلى التعليم والبحث العلمي والرياضة والاقتصاد والثقافة والفلاحة والأمن وغيره، ليطال سيادة الدول واستقلالية الحكومات والمنظمات الدولية. كما أبرزت حجم الإسناد الذي وفّرته بعض أنظمة الغرب للتغطية على جرائمه، حيث إنها لم تتردّد في دعم آلة حرب الكيان الإسرائيلي رغم بشاعة الإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة المرتكبة في قطاع غزة. وعرّت في الوقت ذاته مستوى الخذلان والتواطؤ الذي قابلت به الأنظمة العربية والإسلامية مشاهد الدّمار والتّقتيل والتّجويع والتّهجير الذين يتعرض لهم إخوة لهم في الدين واللغة. وقد كان لعلاقات التّطبيع الظاهر والخفي مع تلك الأنظمة دور في هذه المواقف المتخاذلة والمتواطئة. وهكذا، وجد العالم نفسه في امتحان أخلاقي عسير، أمام انكشاف حقيقة هذا المشروع كخطر كوني يتجاوز حدود فلسطين ليطال منظومة العلاقات والقيم الإنسانية برمتها.
أما على مستوى الشعوب، فقد فتحت الإبادة في قطاع غزة عيون العالم على جملة من الوقائع والحقائق، كما أحيت في البشرية جمعاء نداء الفطرة الآدمية ورابط الأخوة الإنسانية. حيث شهدت مدن العالم من أقصاه إلى أقصاه مظاهر تضامنية وفعاليات تنديدية ومبادرات إنسانية، وأدينت جرائم المجازر الصهيونية، لتؤكد أن الضمير الإنساني حي، وأنّ الفطرة السليمة قادرة على التمييز بين الظالم والضحية، وعلى الانتصار للمظلومين مهما اختلفت الألسن والثقافات والأديان.
كما أبانت المقاومة الفلسطينية على صمود وثبات بطوليين أمام جيش الكيان الإسرائيلي المدجج بكل الوسائل العسكرية والاستخباراتية المتطورة، وبتكنولوجيا رقمية متقدمة، وبدعم مفتوح من قوى عربية وغربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. صمود امتد لأكثر من سنتين تعرضت فيه المقاومة والشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة لكل أصناف الإبادة والتجويع والحرائق والتهجير والتعذيب.
وقد كان لفكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله اهتمام مبكر ومهم بالقضية الفلسطينية، واعتبرها قضية مركزية للأمة العربية والإسلامية، قال رحمه الله: “الهَمُّ الدائم، هَمُّ فلسطين وكارثة فلسطين” (العدل، 65). كما كان دائم التنبيه والتحذير من خطر الصهيونية على الأمة وعلى العالم، إذ قال رحمه الله: “عاشت هذه الأمة زمانا طويلا تحت وطأة الفتنة الداخلية ووطأة العدوان الصليبي الاستعماري، وتعيش اليوم تحت كابوس التآمر الصهيوني العالمي فما عادت تنفع ولا تجوز التسلية سبحاً في الأماني المعسولة، ولا عادت تنفع الكلمات المرة كلمات الشكوى القاعدة” (المنهاج النبوي، 19). وقال: “تطمح الصهيونية العالمية إلى احتلال العالم احتلالا معنويا وحكمه وإملاء الإرادة الصهيونية عليه” (سنة الله، 125).
ونظرا لكل ما سبق، فقد بدا جديرا تخصيص ندوة فكرية لهذا الموضوع ضمن الفعاليات المركزية المنظمة بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين، سيما في ظل التداعيات المتلاحقة والتحولات المتسارعة التي يعيشها العالم بعد السابع من أكتوبر بغزة، حيث نستحضر بهذا الصدد رؤيته لعمق القضية الفلسطينية وتداعياتها ومداخلها.
ونحاول في هذه الندوة الإجابة على الأسئلة التالية:
· ما هي أهم معالم التحول الجيواستراتيجي للمشهد العالمي في ظل تداعيات الأحداث في غزة؟
· ما هي تجليات الخطر الذي تشكله الصهيونية العالمية على الإنسانية، وعلى الدول والمنظمات؟
· ما هي الآثار التي خلفتها الأحداث على منظومة القيم الإنسانية ومبادئ السلم العالمي؟ وما هي مآلات ذلك؟
· ماهي انعكاسات موجات التضامن العالمي مع غزة على المشروع الصهيوني وامتداداته؟
· ما هي سيناريوهات مستقبل القضية الفلسطينية بعد الإبادة التي تعرضت لها غزة؟
· ما هي تداعيات الأحداث على الدول العربية وعلى اتفاقيات التطبيع بالمنطقة؟
· ما هي المداخل الممكنة لمواجهة الخطر الصهيوني وبناء قواعد جديدة لسلام عالمي عادل ومستدام؟
ونتناول الموضوع من خلال المحاور التالية:
· المحور الأول: تحليل السياقات والتحولات الجيواستراتيجية المرتبطة بمعركة طوفان الأقصى.
· المحور الثاني: أثر الإيديولوجية الصهيونية على القيم الإنسانية والسلم العالمي.
· المحور الثالث: مستقبل القضية الفلسطينية وسيناريوهات التحرير.
· المحور الرابع: التطبيع العربي الإسرائيلي وأثره على تضخم الصهيونية وعلى حل القضية الفلسطينية.
· المحور الخامس: واجهات العمل ومداخل الفعل لمواجهة الخطر الصهيوني على العالم.