عوائق المشاركة السياسية للمرأة
أ- عوامل ثقافية فكرية:
يحتاج أي مستبد لكي يحرم المستضعف من حقوقه إلى وسائل داعمة مادية أو معنوية، إلى سلطة أو سلطات :العلم- الفكر- الدين- القوة…… في العالم الغربي اعتبر العلم والفلسفة سلطة مسؤولة عن تشكيل النظرة الدونية للمرأة لأنه قائم على منطق الصراع وإخضاع الأضعف. وفي العالم الإسلامي شكلت الثقافة بمفهومها الواسع العامل الأساس في النظرة النمطية للمرأة.
المرأة في القرآن الكريم
لا نعثر في القرآن الكريم ما يدعو لاعتبار المرأة هامشا في الحياة، أو ما يجعلها غير مسؤولة عن تردي الأوضاع في مجتمعها أو ما يعفيها من إبداء الرأي وتقديم المشورة والمشاركة في التغيير بالوسائل المختلفة. والآيات عديدة في هذا الباب.
أما آيتا “الدرجة” و”الإرث” ففيهما أقوال كثيرة تجعل المنصف غير الحاقد على ديننا الإسلامي ينتهي إلى القول أن الله ليس بظلام للعبيد ولكن الناس أنفسهم يظلمون. قال تعالى في سورة البقرة الآية227 ” والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. ولايحلّ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يومن بالله واليوم الآخر. وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا. ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. وللرجال عليهن درجة. والله عزيز حكيم” الآية. تعددت تفاسير الفقهاء حول الآية واصطبغ بعضها بالتأثيرات الواقعية حتى لدى كبار المفسرين، فالدرجة في تفسير الحافظ ابن كثير مثلا هي درجة” في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح والفضل في الدنيا والآخرة”، لم يقتصر بعض فقهاؤنا الأجلاء رحمهم الله على تقرير الدونية للمرأة في الدنيا فقط بل في الآخرة كذلك!! واختلفوا في تفسير الآية اختلافا كبيرا. ولعلّ أبلغ التفاسير وأقربها إلى العدالة الربانية التي لاتفرق بين البشر إلا بالتقوى وليس بالجنس قول أبو جعفر : “وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس وهو أن ” الدرجة ” التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع، الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه”. الدرجة إذن مسؤولية وليس وسام مجّاني، تقتضي أجرا على أدائها ووزرا على المخالفين، لذلك فظاهر الآية يفيد التقرير أما باطنها فدعوة لرجال الأمة الإسلامية لتمثل تلك الدرجة بالصبر والتعقل والحكمة، وترجمة ذلك التمثل سلوكا مستمرا حتى تنجح الحياة الزوجية.
والدرجة التي ذكرت في الآية جاءت بعد آيات الطلاق مما يعني أنها خاصة بالحياة الزوجية، في حين أن البعض يزعم أنها درجة شاملة وممتدة في الشأن العام ومنه العمل السياسي وإن كنت لا أرى ضرورة القياس في هذا الباب.
ومع افتراض صحة هذا القياس على اعتبار القولة الفقهية الشهيرة “العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب”، فما طرحناه بخصوص الحياة الزوجية ينطبق على الشأن السياسي، بمعنى لو استطاع الرجل ترجمة تلك الدرجة بحسن تدبير وتخطيط وكفاءة فهو كذلك، وإلا قد تكون امرأة في مركز قرار أفضل من رجل بحسن سياستها، وإن جادل الفقهاء كثيرا واختلفوا في حق المرأة في تولي المناصب السياسية، إلا أن باب الإجتهاد يبقى مشرعا حينما تتغير الظروف وتستعد المجتمعات.
إن آية “الدرجة” لم تنسخ الآيات التي تدعو المرأة للقيام بدورها من أجل تغيير مجتمعها نحو الأفضل، ومكافئتها على ذلك وعقابها على التقصير إن لم تكن من المستضعفين، فهي مكلّفة في حدود استطاعتها ولها من الحقوق حسب الاستحقاق.
ترتبط بآية الدرجة آية الإرث التي أثير بسببها مؤخرا مطلب المساواة من قبل الحركة النسائية بالمغرب على اعتبار أن الآية فيها غمط لحقوق المرأة في مجتمع كثير من أسره تعولهم امرأة، وحامت حول القضية أقاويل كثيرة.
وقد يقال لماذا الاستثناء؟!! الواضح لكل ذي منطق أن الله تعالى أراد من الرجل أن يكون مسؤولا عن الإنفاق حتى إن كانت المرأة قادرة عليه، لما في ذلك من حفظ لدرجة دعاه أن يشرئب إليها ولايتنازل عنها، فإذا أصبحت الأوضاع كئيبة وألقت بكآبتها على المرأة التي أصبحت منفقة على الأسرة، فإن الأصول لن تتغير تبعا لأوضاع مزرية أتعبت المرأة، بل الأحرى هو الدعوة لتحرير المرأة من الإنفاق على نفسها وعلى الأطفال بحضور الأب أو غيابه، أوتتكفل الدولة بمساعدتها في حال موته، وتحريرها من الإنفاق على الزوج أحيانا لتجد أسرة تحتمي فيها من ألسنة الناس ولهيب المجتمع.