مقدمات ضرورية
– لا ينبغي أن تُنسينا كثافة الأحداث وتسارعها، النظرَ في المستقبل القريب والأفق البعيد للأمة في كل المجالات، أُولاَها وأَوْلاها في الاعتبار مجالُ التربية والتعليم والإعلام.
– زخر القرآن الكريم بنماذجَ وأمثلة من الحوارات الأسرية بين الآباء والأبناء، وبين الأزواج والزوجات، اتفاقا في الدين أو اختلافا، ومن الأمثلة التي أخذت مساحة تعبيرية قصة لقمان الحكيم الذي سمى الله سورة من القرآن باسمه (من الآية 12 إلى الآية 19 من السورة).
– يُمثّل لقمانُ الرجلُ الصالحُ أنموذجَ الأبِ المربِي المعلمِ الشاكر ربه على الحكمة التي آتاه، فعلَّم ابنه مخاطبا إياه ب”يا بُنَيِّ” تصغيرا وتحببا وتلطفا ثلاث مرات.
– تحت النداءات الثلاث للابن عشر وصايا نفيسة، يقف المتأملُ فيها على أسس تربية الأبناء بل أسس تربية الأطفال، وهي: العقيدة والعبادة والأخلاق والدعوة، وهي تُشكِّل – بحق – مُجتمعة منهاجا ودستورا متكاملا في كلياته وأصوله الكبرى، لا يمكن المحيد عنه أو الاستغناء عن كلية وأصل منه في كل تخطيط تربوي وتعليمي وإعلامي يروم بناء شخصية إيمانية متوازنة للأطفال.
الأساس الأول: العقيدة
حمَل النداءُ الأول وصيةَ لقمان لابنه بعدم الشرك بالله لكونه ظلما عظيما، وحمل النداء الثاني وصيته له بمراقبة الله تعالى الخبير بكل شيء الذي لا تخفى عليه أقوال العباد وأفعالهم. وبين النداءين وصية من الله تعالى للإنسان بالإحسان إلى الوالدين ونهيه عن طاعتهما في الشرك به، وأمره باتباع سبيل المنيبين إليه السائرين في طريقه المستقيم.
كان أول ما غرس لقمان في ابنه عقيدة التوحيد، لذلك نجد أن البعثة المحمدية جاءت مؤكدة أولوية وأسبقية الإيمان في التربية، لما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأب إلى الأذان في أذن المولود اليمنى والإقامة له في الأذن اليسرى عند ولادته، وحمَّل الأبوين مسؤولية الحفاظ على فطرة الأبناء وتغذيتها بالإيمان وتحصينها من كل مُؤثر ينحرف بها عن جادة الإسلام ويُحَوِّل وجهتها إلى غير ما يرضي الله تعالى.
إن دور الأسرة – بوصفها المهد الأول والمحضن الفطري للتربية- محوريٌّ في تحقيق التربية على الأسس الأربعة، ويصير هباءً إن لم يعضده دور المسجد والمدرسة والإعلام.
الأساس الثاني: العبادة
أول وصية اندرجت ضمن النداء الثالث الأمر بإقامة الصلاة، ليُترجِم الابن إيمانَه بالله عمليا تحقيقا للعبودية له. وليس عبثا أن يُوجِّه الحبيب صلى الله عليه وسلم الأسرة إلى ترغيب الأبناء في الصلاة وتحبيبها إلى قلوبهم في السابعة من عمرهم، ليألفوا أداءها، يساهم في ذلك المعلم في المدرسة، حتى إذا بلغوا سن التكليف وجدْتَهم أشدَّ حرصا على إقامتها في أوقاتها، تتعلق قلوبهم بالمساجد في الحي والمؤسسة التعليمية وفي أماكن العمل…
ما أجمل أن يَشِبَّ أطفالنا على طاعة الله؛ تفرح الأسرة بأُولى خطى الطفل إلى المسجد وتعْهَدُ، ويُحسِن عُمَّارُ المسجد وِفادة الأطفال، وتُشيَّدُ المساجد في كل مرافق الحياة لتقام الصلاة آخر عُرى الإسلام نقضا، فتكونُ ضابطَ أوقاتهم وحافظةَ ومنميةَ الإيمان في قلوبهم وناهِيَهُم عن الفحشاء والمنكر ومرسخةَ الروح الجماعية والشعور بالانتماء للأمة.
الأساس الثالث: الأخلاق
لم تقتصر وصايا لقمان لابنه على ما يخص علاقته بربه، بل شملت ما يتعلق بعلاقته بغيره، وهي أكثرُها، أوصاه بأخلاق عالية: صبرٌ على المصاب، عدمُ إمالة الوجه عن الناس، عدمُ المشي في الأرض تكبرا، القصدُ في المشي، غضُّ الصوت (خفضه).
يعتبرُ تهذيب الأخلاق وتحسينها من أهم مظاهر الحكمة في القرآن الكريم ومقاصد البعثة النبوية، إنما بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم متمما لصالح الأخلاق، وكان أحسنَ الناس خلقا فربى صحابته على فضائل الأخلاق ومحاسن العادات. فالعناية بأخلاق الأطفال محدد أساسي لتربية إيمانية متوازنة، تُزيِّن العلاقات الأسرية والمدرسية والاجتماعية بأخلاقية عالية، عنايةٌ ضرورية تنقلنا من واقع الانحلال الخلقي الناتج عن التفريط الأسري وضعفِ المضمون التربوي في المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية، إلى حيث نعيش الأخوة الإيمانية الحقة ونصير ملاذا أخلاقيا للإنسانية المتعطشة لقيم الأمن والسلام والمحبة والتعاون الأخوي الصادق.
الأساس الرابع: الدعوة
أوصى لقمان ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليكون مصلحا بعد أن سَلِمت عقيدته وعبادته وحَسُنت أخلاقه.
أن يكسب الأطفالُ في محاضن التربية السالف ذكرها القدرةَ على التمييز بين المعروف والمنكر خطوةٌ مهمة للأمر بالأول والنهي عن الثاني، وذلك رهنٌ بتعليم بانٍ وتربية واقية وإعلام هادف في مقدمته إعلام الطفل المكتوب والمرئي، تسودُ قيم الحوار والتواصل والحرية والنقد البَنَّاء، وتُكتشف المواهب والطاقات في كل الفنون المعرفية والفنية وتُدرب وتُصقل وتُوجه لبناء الوطن والأمة بما يخدم الأهداف ويحقق النتائج. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في كتاب الإحسان ج 2 ص: 146: فكما يومر الصبي بالصلاة ويربى عليها لأنها عماد دينه في نفسه، كذلك يومر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك عماد دين الأمة، لا يستقيم للأمة دين ولا دنيا ولا آخرة إلا به.)
خلاصات مهمة
– تُشكِّل وصايا لقمان العشر لابنه منهاجا تربويا على الآباء والمربين والمدرسين والإعلاميين اعتماده في تربية الأطفال.
– إن عالم الطفولة هو ميدان التغيير الحقيقي، وهو محل استشراف المستقبل وتشكيله) كما يؤكد عمر عبيد حسنة في تقديمه لكتاب الامة نحو مشروع مجلة رائدة للأطفال).
– إن أسس التربية الأربعة: العقيدة والعبادة والأخلاق والدعوة تحتاج إلى تفكير عميق من المختصين لاكتشاف وتوليد رؤى تربوية متخصصة تراعي تلبية حاجيات الأطفال النفسية والعقلية والحركية، وتطبق في الأسرة والمدرسة والإعلام، يُوَفِّرُ تنزيلُها عبر وسائل وأساليب وإمكانيات مادية بيئةً تربوية سليمة تُحفظ فيها الفِطَرُ وتَنْشأ فيها أجيالٌ قادرةٌ على بناء الأمة في كافة الميادين.