يوما بعد يوم تتكشف طبيعة وخطورة المرحلة التي تمر منها الإنسانية جمعاء، مرحلة شبهها الخبراء والسياسيون بحالة حرب حقيقية، حرب ضد عدو غير مرئي، عدو نجهل الكثير عن خططه واستراتيجياته و”الشفيرة” أو المفتاح الذي به استباح أجسادنا، هكذا تحدث أحد كبار المختصين الأمريكيين بصراحة ووضوح نادرين، مفسرا سبب تأخر إيجاد لقاح أو علاج لحد الآن.
حرب غير تقليدية تم فيها تحييد الجيوش النظامية التقليدية بأسلحتها وتكنولوجياتها المتطور وفسح فيها المجال لجنود من نوع آخر، جنود و أبطال المرحلة من غير منازع، أطر الصحة، أطباء وممرضين وأعوان و مساعدين، رجالا و نساء، هم الآن في الجبهة الأمامية للتصدي لهذا الفيروس القاتل، لم يترددوا للحظة واحدة و هم مدركون لعظم وحجم المخاطر التي تتهددهم، ففي إيطاليا 10 في المائة من المصابين بكورونا من مهنيي الصحة و3,8 في المائة منهم في الصين، يشتغلون في ظروف كلنا نعلم طبيعتها.
ولئن كانت جائحة كورونا قد أبرزت أهمية الأطر الصحية، باعتبارهم خط الدفاع الأول عن البشرية، بسبب طبيعة الفيروس هذه المرة وسرعة انتشاره في معظم دول العالم، بشكل أصبح يهدد حياة الجنس البشري ككل، فتاريخ الأوبئة التي اجتاحت دولا بكاملها، يشهد لهم بالعطاء والتضحية والوفاء لمهنة هي من أنبل المهن وأشرفها، نذكر هنا مكتشف وباء متلازمة الالتهاب التنفسي “سارس” في عام 2003م، تسبب في أكثر من 8000 إصابة مات على إثرها نحو 800 شخص في جميع أنحاء العالم، صنفه المختصون كأول وباء خطير في القرن الواحد والعشرين، الدكتور أوربانو، الذي غامر بشجاعة وسافر إلى الدول الموبوءة لتقصي الحالات، فتسللت إليه العدوى ومات بها، وقبله العشرات من الأطباء والممرضين الذين قضوا حياتهم وهم يعتنون بمرضى وباء إيبولا، وباء انتشر في غرب أفريقيا وأدى إلى وفاة 11 ألف و 300 شخص.
ونحن إذ نفتخر بمستوى التضحية التي تقدمها الأطر الصحية ببلدنا والروح الوطنية العالية التي أبانوا عنها، بل والحرص الشديد على أرواح المغاربة من خلال نصائحهم المسجلة من قلب المعاناة، فإنه بالمقابل من واجب الحاكمين بهذا البلد دعم أطرنا الصحية وتوفير الظروف الملائمة لاشتغالهم، أناس اختارهم الله تعالى في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ البشرية، ليشرفهم وليدخلهم في زمرة أحبابه مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الناس عيال الله وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله” فهنيئا لكم، أطر الصحة، بهذا التشريف، فأنتم بحق رجال وأبطال المرحلة.