أهمية الدعاء بين أفراد الأسرة

Cover Image for أهمية الدعاء بين أفراد الأسرة
نشر بتاريخ

المحبة المتبادلة بين الوالدين والأولاد فطرة مغروزة في الإنسان، وهي مشاعر وأحاسيس يستشعرها أفراد الأسرة فيما بينهم فيعيشون سعادة الدنيا بحبهم لبعضهم.

المؤمنون يعملون في هذه الدنيا على أنها مزرعة للآخرة، ويرجون أن تكون ثمرة كل حب من محاب الدنيا من ثمار الآخرة، يدعون الرحمن الرحيم ويرجونه أن يُسعدهم ببعضهم في الآخرة كما سعدوا في الدنيا؛ جاء دعاؤهم هذا  في الآية  74 من سورة الفرقان في  قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.
يقول الإمام المرشد رحمه الله: (ها هم أولاء عباد الرحمن مستقرين أزواجا في أسرتهم مع ذرياتهم. من فضائلهم الحميدة وأخلاقهم المجيدة وعباداتهم الرشيدة أنهم يدعون ربهم هنا في الدنيا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً  يقوله الزوج الرجل وتقوله الزوج المرأة. والذرية الصالحة والوُد بين الزوجين سعادة تبدأ من هنا في الدنيا قرةَ عين. قرة العين غاية السرور. والذي يفرح له المؤمن وتفرح المؤمنة فوق كل شيء الاطمئنان إلى أنهما وذريتهما سائران في طريق السعادة الأخروية) [1].

وبما أن طريق السعادة، التي يسلكها المتقون عبادُ الرحمن، طريقٌ شاقة كلها امتحان وابتلاء فقد أرشدهم الله سبحانه إلى الدعاء، يستعينون به على هذا الطريق.

يدعوا الآباء لذرياتهم وتدعو الذرية الصالحة لآبائهم؛ ونحن من بعدهم نجد ذلك في كتاب الله الحكيم وفي سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فنتعلم ونقتدي.

فما أهمية الدعاء؟ وكيف يكون دعاء الآباء للأبناء؟  وبم دعا الأبناء لآبائهم؟

1. أهمية الدعاء

الدعاء باب من أبواب الله سبحانه. نتضرع إليه ونستمطر رحمته ونسأله العون على قضاء حوائجنا. تلتقي فيه حاجَتُنا بوافر عطائه، وقدرتُه بعجزنا، ويستجيب غناه لافتقارنا.

يقول الله عز وجل وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  (البقرة، آية 186) وفي هذا إيماء إلى أن أمر الإجابة متحقق موعود؛ جزاء الدعاء الإجابة. 

ونقف بين يديه سبحانه في كل صلاة نردد: إياك نعبد واياك نستعين  دعاءُ ثناءٍ  ودعاءُ مسألةٍ؛ قال صلى الله عليه وسلم: “ليس شيء أكرم على الله من الدعاء”أخرجه الترمذي  والإمام أحمد عن أبي هريرة  رضي الله عنه..

2. دعاء الآباء للذرية

نتلو كتاب الله الذي فيه هدى للمتقين فنجد في آياته، أول من سأل صلاح الذرية سَيِّدَيْنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، يقول الله عز وجل: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ اُ۬لْقَوَاعِدَ مِنَ اَ۬لْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُۖ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ (126) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسْلِمَةٗ لَّكَۖ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ اَ۬لتَّوَّابُ اُ۬لرَّحِيمُۖ (127) (سورة البقرة).  ودعا سيدنا إبراهيم رَّبَّنَآ إِنِّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِے بِوَادٍ غَيْرِ ذِے زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ اَ۬لْمُحَرَّمِۖ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ فَاجْعَلَ أفئدةٗ مِّنَ اَ۬لنَّاسِ تَهْوِےٓ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ اَ۬لثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَۖ (37) رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِے وَمَا نُعْلِنُۖ وَمَا يَخْف۪يٰ عَلَي اَ۬للَّهِ مِن شَےْءٖ فِے اِ۬لَارْضِ وَلَا فِے اِ۬لسَّمَآءِۖ (38) اِ۬لْحَمْدُ لِلهِ اِ۬لذِے وَهَبَ لِے عَلَى اَ۬لْكِبَرِ إِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَۖ إِنَّ رَبِّے لَسَمِيعُ اُ۬لدُّعَآءِۖ (39) رَبِّ اِ۪جْعَلْنِے مُقِيمَ اَ۬لصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِےۖ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِۖۦ (40) رَبَّنَا اَ۪غْفِرْ لِے وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلْمُومِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ اُ۬لْحِسَابُۖ (41) (سورة إبراهيم).

كما دعا سيدنا زكريا لما رأى من كرم الله لمريم الصديقة عليها السلام: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّآءُ رَبَّهُۥۖ  قَالَ رَبِّ هَبْ لِے مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةً اِنَّكَ سَمِيعُ اُ۬لدُّعَآءِۖ (38) (سورة آل عمران).  ودعت الله حنة امرأة عمران، أن يحفظ وليدتها وذريتها من الشيطان الرجيم: فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ  وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) ( سورة آل عمران).

هذه بعض من آيات كثيرة في القرآن الكريم يسأل فيها الصالحون الله سبحانه وتعالى الذرية الصالحة. يقول الإمام المرشد رحمه الله: “أجلُّ عملٍ وأعظم كسب ما عم نفعُه وامتد خيره ودامت إفاضاته. ويموت المرء والمرأة الصالحان فيبقى من كسبهما ما يُدِرّ البركات عليهما وعلى الناس، تطيب بغرسه حياتهما في الدار الآخرة، وتطيب بما زرعاه حياةُ الخلق هنا من بعدهما. ذلك إذا أنجبا ذرية صالحة موصولة الفطرة سليمةً حنيفةً بما رعَيا وربَّيَا. قال الله تعالى عن الإنسان المسلم: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين(15) (سورة الأحقاف)  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عملُه إلا من ثلاثة: صدقةٍ جاريَةٍ، أو عِلْمٍ يُنتفَعُ به،  أو وَلَدٍ صالح يدعو له». رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله” [2].

3. دعا ء الأبناء للآباء

“فإذا كان هذا الولدُ، ذكرا أو أنثى، من العلم والصلاح وبذل الخير بحيث يجمع الخصال الثلاث كان دعاؤه لوالديه أرْجى، وكانت عائدتُه عليهما أبركَ. وقد أمر الله عز وجل الولد الصالح، ذكرا أو أنثى، أن يدعُوَ لوالديْه، بعد أن أوصاه بهما تلك الوصية البالغة ليُرِيَهُ أيّةَ  مكانة يجب أن يُحِلَّهما من بِرّه ووفائه ورفقه. قال جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً  (24) (سورة الإسراء). تعود إليهما تلك الرحمة التي أحاطا بها الصبي والطفل واليافع، رحمة تستمطر على قبرهما بعد أن يكلأهما بر المولود المحفوظ الفطرة برعايتهما”[3].

وهذا نبي الله سليمان، لما رأى من فضل الله عليه حينما سمع قول النملة فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاٗ مِّن قَوْلِهَا وقَال: رَبِّ أَوْزِعْنِيَ أَنَ اَشْكُرَ نِعْمَتَكَ اَ۬لتِےٓ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَيٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنَ اَعْمَلَ صَٰلِحاٗ تَرْض۪يٰهُ وَأَدْخِلْنِے بِرَحْمَتِكَ فِے عِبَادِكَ اَ۬لصَّٰلِحِينَۖ (19) (سورة النمل).

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب، أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك”.

يقول سبحانه وتعالى وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) (سورة الطور).

هكذا بنص القرآن الكريم، تلحق الذرية الصالحة بآبائهم الصالحين في الجنة ويسعدون ببعضهم رغم تفاوت مراتبهم فيها، بفضل  الرحمن الرحيم الذي وفقهم في الدنيا أن كانوا من الصالحين وهداهم آباءً وأبناءً للدعاء.

تقر العين ويسعدون ببعضهم دنيا وآخرة إن حرص الآباء وعملوا على تنشِئة الأبناء النشأةَ الإيمانيةَ السليمةَ الفطرةِ، بالمحبة والشفقة والرحمة والقدوة. يعلمونهم فضل الدعاء، ويعودونهم عليه دبر الصلاة وكل أوقات الاستجابة وفي دعاء الرابطة  وعند ختم القرآن.. يدعون لبعضهم هنا في الدنيا ويزيدهم الله الكريم الوهاب من فضله دعاءَ الملائكةِ حملةِ عرشهِ؛ اِ۬لذِينَ يَحْمِلُونَ اَ۬لْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُومِنُونَ بِهِۦ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَےْءٖ رَّحْمَةٗ وَعِلْماٗ فَاغْفِرْ لِلذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ اَ۬لْجَحِيمِۖ (6) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّٰتِ عَدْنٍ اِ۬لتِے وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنَ اٰبَآئِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمُۥٓۖ إِنَّكَ أَنتَ اَ۬لْعَزِيزُ اُ۬لْحَكِيمُۖ (7) وَقِهِمُ اُ۬لسَّيِّـَٔاتِۖ وَمَن تَقِ اِ۬لسَّيِّـَٔاتِ يَوْمَئِذٖ فَقَدْ رَحِمْتَهُۥۖ وَذَٰلِكَ هُوَ اَ۬لْفَوْزُ اُ۬لْعَظِيمُۖ (8) (سورة غافر).

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد. 


الهوامش:

[1] تنوير المؤمنات، ج 1، ص 14، النسخة الإلكترونية.

[2] كتاب العدل، ص 308، النسخة الإلكترونية.

[3] نفسه، ص 309.