في 18 من أبريل 2019، وفي لقاء مع الجمعية العامة الصهـيونية “إيباك” بالولايات المتحدة الأمريكية، صرحت إيليت شاكيد التي كانت وقتئذ تشغل منصب وزيرة العدل في الكيان الصهيوني بأن “المغاربة والجزائريين والتونسيين جهلة وحمقى ويستحقون الموت” ثم أردفت قائلة: “الكره الذي يحمله لنا المغرب العربي سيتم مواجهته بإنهائهم من الوجود ولن يبقى أحد منهم على قيد الحياة”. وتأكيدا لهذا الموقف كشفت وزيرة العدل والقيادية في الحزب اليميني “البيت اليهـودي” وبصريح العبارة “إن للكيان الصـهيوني خطة لتدمير هذه البلدان الثلاثة في وقت واحد”. وبالرغم من كل هذه التصريحات العدائية والعنصرية الحاملة لكل أشكال الكراهية والتمييز، والداعية بكل وضوح إلى إبادة جماعية وتطهير عرقي لكل الشعوب المغاربية وفق خطة مسبقة، ورغم أن هذه التهديدات عَلِمَ بها القاصي والداني، إلا أن النظام السياسي المغربي استقبل إليت شاكيد في يونيو 2022 وهي تشغل منصب وزيرة الداخلية على أرض المغرب التي نعتت شعبه بالأحمق وأنه يستحق الموت دون أدنى تحفظ.
قد يقول قائل إن ما صرحت به إليت شاكيد قد يكون مجرد مزايدة أو رأي نشاز يخصها دون غيرها، ولعله قول مردود على صاحبه باعتبار أنه صدر من وزيرة عدل، وخلال خطاب رسمي جاءت تمثل فيه الحكومة الصهـيونية، ناهيك عن عدم استنكار أي عضو في ذات الحكومة لتصريحاتها.
اليوم، وبعد توقيع المغرب لاتفاقية التعاون في مجالات الدفاع والاستخبارات والتدريب العسكري والأمن والصناعة مع الكيان الصهيوني، تطلعنا صحيفة “الإسبانيول” الإسبانية وبمقتضى هذه الاتفاقية سيمنح المغرب الإذن للكيان الغاصب بإنشاء قاعدة استخباراتية عسكرية يديرها الجيش الصهيوني، وقد حُدِّدَ مكانها بمنطقة “أفسو” وهي جماعة قروية تابعة لقبيلة آيت بويحيي الريفية المحاذية لمطار العروي جنوب الناظور والقريبة من مدينة مليلية المحتلة.
إن الربط بين تصريحات وزيرة العدل ووزيرة الداخلية سابقا في الحكومة الصهـيونية إليت شاكيد التي كشفت فيها عن مخطط صهيوني لإبادة الشعوب المغاربية، وبين ما تعتزم «إســرائيل» القيام به من بناء قاعدة استخباراتية عسكرية تابعة للجيش، مع ما حذر منه جاكوب كوهين من مخططات الموســاد الرامية لتفكيك النسيج الاجتماعي عبر اللعب على ورقة الهوية الأمازيغية، وباستحضار موجة شراء العقارات من طرق اليهـــود الصهاينة القادمين من الكيان في عدة مدن مغربية منها مكناس والصويرة وآسفي ومراكش وطنجة وتنغير… وإعادة بناء “المَلَّاحات” أحياء خاصة على غرار المستوطنات يدفعنا لتوجيه الأسئلة التالية إلى من يهمهم الأمر:
ألا يشكل بناء قاعدة استخباراتية عسكرية للجيش الصهيوني اختراقا للسيادة والأمن المغربيين؟
ألا تهدد هذه القاعدة الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة؟
لماذا اختيار منطقة بالقرب من مليلية المحتلة لإقامة القاعدة، ألن يؤدي ذلك إلى تسميم العلاقة مع الجارة إسبانيا،
خاصة بعد مواقفها الإيجابية من الصحراء المغربية والقضية الفلسطينية؟
لماذا وضع قاعدة استخباراتية في قلب منطقة الريف على بعد كيلومترات من منطقة القبائل الجزائرية؟
على من يا ترى ستتجسس هذه القاعدة الصهـيونية في المنطقة؟
في حال تحقق هذا المشروع الأخطر من نوعه، ألن يصبح المغرب معزولا في محيطه الجيوسياسي، ما يجعله ضعيفا
وأكثر ارتهانا على إسـرائيل والولايات المتحدة الأمريكية؟
ألن تشكل هذه القاعدة عبئا سياسيا وأمنيا على المغرب، وأنه سيصبح أول المكشوفين للكيان الغاصب الذي لم يتورع عن التجسس على حلفائه من رؤساء العالم في الولايات المتحده الأمريكيه وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا…؟
وعودا على بدء، ألا تعتبر إقامة هذه القاعدة مشروعا مرحليا عمليا لتنزيل مخطط إبادة الشعوب المغاربية الذي كشفت عنه إيليت شاكيد، ومن ثم لم نعد أمام مسلسل لتطــبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، بقدر ما نحن إزاء مخطط للهيمنة على المنطقة استخباراتيا ثم بعدها سياسيا وعسكريا واجتماعيا، أما اقتصاديا فمن باب تحصيل الحاصل؟
إن الإقدام على هذه الخطوة الخطيرة من طرف النظام السياسي المغربي سيُحَوِّل المغرب والإقليم وضفتي البحر الأبيض المتوسط إلى لغم قابل للانفجار في أي وقت، ويؤكد في الوقت ذاته أن الجهات الرسمية في الدولة المغربية ماضية في تمكين الكيان الصهيوني من أمننا الاستراتيجي ولا تعبأ بكل الأصوات المناهضة للتطـبيع، وهو ما يفسر محاكمتها واعتقالها للعديد من المناضلين أمثال سعيد بوكيوض، وعبد الرحمان زنكاض ومصطفى دكار وآخرون.
إن الواجب الوطني اليوم يقتضي من كل غيور على وطنه، وسيادة دولته، ومستقبل أجياله، ويستوجب من كل حريص على الأمن الاستراتيجي والتماسك الاجتماعي وحسن الجوار الإقليمي والدولي أن يحث عقلاء هذا الوطن على التراجع عن هذه الخطوة لأنها ستكون بمثابة الإسفين الذي سيشق صدر المنطقة ويؤدي بها إلى التعفن على جميع الأصعدة، وإن غدا لناظره لقريب.
للأسف لم نعد اليوم نناهض الكيان الصهيوني فقط دعما وتضامنا مع فلســطين، بل نناهضه لأنه أصبح يخترق سيادتنا ويهدد أمننا الاستراتيجي سياسيا واقتصاديا واجتماعية، ما يستدعي وضوح الموقف وتحمل المسؤولية والخروج من المربع الرمادي ما دام الوطن والشعب والسيادة في خطر.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.