إماطة الأذى

Cover Image for إماطة الأذى
نشر بتاريخ

في زمن يتعالى فيه التحدي، وتتزامن مظاهر الإهمال في السلوك العام، تَبرز قيمة عظيمة من قيم الإسلام قد يغفل عنها الكثير، رغم بساطتها الظاهرة وعظيم أثرها؛ إنها إماطة الأذى عن الطريق. هي ليست مجرد فعل سطحي، بل مبدأ راسخ في بناء الإنسان والمجتمع.

لقد حثّ الإسلام على هذا الخُلق النبيل، وجعله شُعبة من شُعب الإيمان، حيث قال النبي ﷺ في حديثه: “الإيمان بضع وسبعون شُعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق” 1. فلا نظنّه عملا صغيرا، بل هو في الحقيقة باب واسع إلى رضى الله والتمكين في الأرض.

حين يحرص المسلم على إزالة ما يؤذي الآخرين، فإنه ينشر روح المسؤولية الجماعية، ويربّي في النفس احترام الآخرين، ويساهم في تهذيب الخُلق، ويظهر صورة الإسلام مشرقة أمام العالم.

إن إزالة الأذى لا تتوقف عند الجانب المادي فقط، بل تمتد إلى الجانب المعنوي كذلك؛ فيبتعد الإنسان عن الأذى بالقول والفعل، ويسعى لزرع الخير في نفوس من حوله، ويتحلّى بالحكمة في دعوته، واللطف في حديثه، فيكسب القلوب ويحيي الهمم.

إن أمتنا اليوم تمرّ بمرحلة ضعف، وهذا يتطلب منا أن نكثّف الجهود، ونَبث القيم التي تَنهض بالأفراد والمجتمعات، على رأسها: التعاون والتكافل والعمل الصالح.

فإماطة الأذى ليست سوى مدخل لروح التكافل الإسلامي، الذي يجعل الفرد عنصرا فاعلا في المجتمع، لا عبءا عليه.

في هذا السياق، يصبح من الضروري أن نصاحب من يُعيننا على الخير، وأن نتجنّب الأنانية، ونعمل بما فيه خير أمتنا. ولا ينبغي أن نتشبّث بمفاتن الدنيا، فالدنيا زائلة، والعمل الباقي هو ما نبتغي به وجه الله، لا رياء فيه ولا مِنّة.

إذا أردنا أن نُعيد لأمتنا مجدها، فعلينا أن نُحيي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نكون في طليعة المدافعين عن القيم، لا نهاب الفساد ولا نستسلم له.

الفساد اليوم ينشر جناحيه في أرجاء كثيرة، لكن لا يزال في الأمة من يملك القدرة على “قصّ جناحيه” إن وُجدت العزيمة، وتمسّكنا بمنهج الحق.

ورغم التحديات، فإن التدافع بين الخير والشر مستمر، ولن تنكسر الأمة ما دامت فيها قلوب نابضة بالإيمان، وأفعال صادقة تُترجم هذا الإيمان إلى واقع.

وإذا أخلص كلٌّ منّا في دوره، مهما كان بسيطًا كإماطة الأذى، فإننا نُمهّد الطريق لفجرٍ جديد، وتنهض أمة الإسلام من ضعفها إلى قوّتها، ومن فرقتها إلى وحدتها، ويشرق صبحها من جديد.


[1] أخرجه مسلم في صحيحه (35).