ابتسامة الموناليزا

Cover Image for ابتسامة الموناليزا
نشر بتاريخ

“لا أدري حقا بماذا يحتفلون، هذا اليوم من كل سنة يشبه تماما ابتسامة الموناليزا؛ تلك الابتسامة الشاحبة التي أرادت بها في الغالب إخفاء حزنها الظاهر جليا على محياها، لكن دون جدوى”.

هذا ما قالته لي عجوز في نقاش على متن الحافلة، كانت كلماتها هذه مرفقة بضحكة ساخرة. ثم أضافت بعدها: “أنصحك ألا تفكري في الموضوع، لأنه ليس مضحكا البتة”. ونزلت عند أول محطة بعدها، تاركة كلماتها تطرق باب فكر الراكبين، كأنها دعتهم للتفكير مليا في الموضوع؛ وليس العكس.

بصراحة يا أماه، أنا أيضا لا أعرف بماذا يحتفلون، فكلما ذكرت المرأة يلوح أمامي طيف نساء الحروب في سوريا، واليمن، والعراق، ومصر، وفلسطين… واللائحة تطول مع مرور السنين. يرن في أذني صدى آهاتهم، وأتحسس حر دموعهم التي جفت من فرط الألم، أولئك النسوة اللواتي ألفن صوت القصف، ومرارة الفقد، وقسوة العيش في أوطان انعدم فيها حتى الحق في الحياة..

كلما ذكرت المرأة، تتراءى أمامي صور النساء في البقع المنسية في هذا العالم، وأجسادهن الهزيلة بسبب المجاعة، تؤرقني صور أطفالهن الذين يموت أغلبهم بسبب البرد والفقر والجوع، وأزواجهن الذين يقطعون مسافات طويلة بحثا عن قطرات ماء -لا يهم إن كان ملوثا- ليسقوا به ظمأ أسرهم.

أننسى في هذا اليوم نساء الأقليات المسلمة في بورما والصين؟ أننسى ألوان التعذيب المختلفة التي تعرضن لها؛ من اغتصاب ونزع للحجاب وضرب وجلد حتى الموت؟! أننسى قتل أبنائهن وأزواجهن وذويهن أمام نواظرهن؟! أننسى استصراخهن العالم ودموعهن الحارقة؟! كل هذا لأنهن مسلمات من عائلات مسلمة؟! نعم، لهذا حرمن كل الحقوق وذقن جميع ألوان التعذيب إلى جانب عائلاتهن.

دعونا لا نبتعد كثيرا، ففي وطننا أيضا من كل فن طرف. ليس لدينا حروب كما يُرى للعالم، لكن لدى كل منا معركته. لنساء المغرب المنسي معاركهن؛ للتي تركت دراستها لتعيل أسرتها معركة، ولنساء المعامل الكادحات لأجل أدنى الأجور معركة، وللأم التي ائتمنت البحر الماكر على ابنها معركة، وللمرميات على قارعة الطريق دون مأوى معركة… لنساء وطني معارك قد لا تُرى للعالم، لكنهن يستيقظن كل يوم ليخضنها… ويبتسمن..

كثيرة هي المعارك التي تواجهها المرأة في وطني وفي البلاد العربية، وقد طالها ما طال الرجل من حيف وظلم واستبداد على مختلف المستويات سواء السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية. لذا أجد أنه من الأولى في يومها العالمي تسليط الضوء على معاركها، ولتأجلوا الاحتفال إلى حين آخر، ربما حين تنتصر، حتما لن تبتسم آنذاك ابتسامة الموناليزا؛ كما وصفتها العجوز على متن الحافلة.