فوجئ الرأي العام الوطني بتاريخ فاتح نونبر 2022 باعتقال الدكتور محمد أعراب باعسو، أحد قيادات جماعة العدل والإحسان، وإحالته على التحقيق بتهمة الاتجار بالبشر وسيل من الجنايات والجنح الواردة في القانون الجنائي وقوانين خاصة أخرى، الأمر الذي استفز حفيظتي العلمية، ودفعني إلى الاطلاع على هذا القانون.
وقبل الحديث عن مضمون نصوص القانون رقم 14-27 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، لا بد من التطرق إلى السياق الذي تم فيه إقرار هذا القانون، إذ تم تقديمه أمام البرلمان والمصادقة عليه في ظرف أسبوع تحت ذريعة وجود إملاءات وضغوط دولية تفرض ضرورة الإسراع بتنزيله، حيث جاء في إطار محاربة الاتجار بالبشر كجريمة عابرة للحدود الوطنية والدولية، والتي يستهدف مرتكبوها المهاجرين الذين يتم استغلال وضعهم بشتى أنواع الاستغلال.
ولما كان من أهم خصائص التشريع عموما أن يكون دقيقا في الصياغة، على نحو تأتي فيه عبارات النصوص والمواد محددة بكيفية لا تقبل التأويل والتأويل المضاد، فإن هذا الأمر آكد وواجب فيما يخص التشريع الجنائي، خاصة إذا علمنا أن من أهم القواعد المؤطرة لنصوص التجريم والعقاب قاعدة “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، التي رفعها المشرع المغربي إلى مصاف القواعد الدستورية، ومبدأ “عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية”، و”قرينة البراءة”، وقاعدة “الشك يفسر لصالح المتهم”.
غير أنه بالرجوع إلى النصوص المنظمة لجريمة الاتجار بالبشر، نجد أنها تفتقد للدقة في الصياغة، وأن العبارات التي تتضمنها عامة وفضفاضة ومجملة، يمكن أن تنطبق على عدة وضعيات بشكل يتنافى والمقاصد التي تغياها المشرع من جراء تقنين جريمة الاتجار بالبشر كما هو منوه عنه أعلاه.
وللتدليل على ذلك، فإن الفصل 1-448 من القانون الجنائي الذي أحيل بموجبه الدكتور محمد أعراب باعسو على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمكناس، ينص على أنه:
“يقصد بالاتجار بالبشر تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيواؤه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، بواسطة التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصوص على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال.
لا يشترط استعمال أي وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه لقيام جريمة الاتجار بالبشر تجاه الأطفال الذين تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة بمجرد تحقق قصد الاستغلال.
يشمل الاستغلال جميع أشكال الاستغلال الجنسي، لا سيما استغلال دعارة الغير والاستغلال عن طريق المواد الإباحية بما في ذلك وسائل الاتصال والتواصل المعلوماتي، ويشمل أيضا الاستغلال عن طريق العمل القسري أو السخرة أو التسول أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو نزع الأعضاء أو نزع الأنسجة البشرية أو بيعها، أو الاستغلال عن طريق إجراء التجارب والأبحاث الطبية على الأحياء، أو استغلال شخص للقيام بأعمال إجرامية أو في النزاعات المسلحة.
لا يتحقق هذا الاستغلال إلا إذا ترتب عنه سلب إرادة الشخص وحرمانه من حرية تغيير وضعه وإهدار كرامته الإنسانية، بأي وسيلة كانت ولو تلقى مقابلا أو أجرا عن ذلك.
يقصد بالسخرة في مفهوم هذا القانون جميع الأعمال أو الخدمات التي تفرض قسرا على أي شخص تحت التهديد، والتي لا يكون هذا الشخص قد تطوع لأدائها بمحض اختياره. ولا يدخل في مفهوم السخرة الأعمال المفروضة لأداء خدمة عسكرية إلزامية، أو نتيجة إدانة قضائية، أو أي عمل أو خدمة أخرى تفرض في حالة الطوارئ”.
صياغة هذا النص تهدد حقوق وحريات أغلبية أفراد المجتمع، الذين تشبعوا بثقافة التكافل والتعاون ومد يد المساعدة لبعضهم البعض، ومن ثم فإن تطبيق هذا القانون من شأنه الحد من تطبيق المقتضى القانوني الذي ينص على ضرورة تقديم المساعدة لشخص في خطر لمجرد التفكير في إمكانية التعرض للملاحقة بمقتضيات هذا النص.
ولا يخفى على كل ذي لب أن صياغة النصوص الجنائية بشكل فضفاض وعام في الأنظمة الاستبدادية، أو ما يصطلح عليه في الفكر السياسي بآلية الغموض في التشريع، الغرض منه سهولة تطبيقها على أكبر قدر من الوقائع حتى لو كانت منافية لمقاصد المشرع، وتوظيفها في ملاحقة كل معارض أو مزعج للسلطة، وتصفية الحساب معه بالقانون، وهو ما وقع مع الدكتور محمد أعراب باعسو، على نحو يخرج عن الهدف من التقنين، ألا وهو تنظيم علاقات الأفراد في شتى المجالات فيما بينهم، أو بينهم وبين السلطة الحاكمة.
فهل يتعلق الأمر باتجار بالبشر أو باتجار بالقانون؟