خامسا: بعض القصص المكتوبة من طرف المؤسسات، مساهمة منها في الإنتاج القصصي، يعكس الحاجة إلى نوع خاص من قصص الأطفال لدى المؤسسات المساهِمة في هذا النوع الأدبي. فمؤسسة زاكورة للتربية 1 . التي باشرت نشاطها منذ أن تأسست، بخلق مدارس للتربية غير النظامية بالعالم القروي لفائدة الأطفال والمراهقين غير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة والبالغ عمرهم ما بين 8 و16 سنة، أحست بالحاجة إلى تسلية الأطفال المتمدرسين بموضوع من صلب وسطهم القروي، فأنتجت، بشراكة مع مديرية محاربة الأمية، قصة “الماعزة والغول” 2 . وقد أشار العربي بن جلون إلى دور القصص في التربية غير النظامية، وقال أنها تقدم للأطفال الفرصة للتعرف على القوانين المجتمعية في مجالات متنوعة، منها التعامل مع الآخر والزواج ومعاملة الجيران والعلاقة بين العمال ورب العمل وفكرة الوساطة والانتخابات وغيرها) 3 . ولنفس الدوافع أنتجت مصلحة التربية الأساسية التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة المغربية قصتان، الأولى بعنوان “أحمد وزراعة الزيتون” طبعتها مطبعة فضالة بالمحمدية سنة 1961، والثانية أنتجتها كتابة الدولة في الشبيبة والرياضة بالرباط تحت عنوان “السندباد الصغير” وهي بدون اسم المؤلف ولا تاريخ الطبع ولا مكانه.
سادسا: يتفاوت إنتاج قصص للأطفال، حسب المراحل التاريخية التي اجتازها المغرب. وقد اتضح أن هناك سنوات تميزت بنُدرة الإنتاج، وانعدامه أحيانا. وظلت هذه الميزة تطبع إنتاج القصص الموجه للأطفال لعدة سنوات. أقف هنا على السنوات التي قَلَّ عدد قصص الأطفال المطبوعة فيها بالمغرب عن خمس قصص. وهي كالتالي:
وفي المقابل تميزت بعض السنوات في الثمانينيات والتسعينيات بالإنتاج القصصي المرتفع. وأقف على السنوات التي بلغ عدد قصص الأطفال المطبوعة فيها الأربعين قصة فما فوق. وقد بلغ الإنتاج المغربي هذا العدد لأول مرة سنة 1984. وهذه السنوات هي كالتالي:
من هنا يمكن تصنيف إنتاج قصص الأطفال بالمغرب حسب كمية الإنتاج، على الشكل التالي:
يلاحظ من هذا الجدول أن الإنتاج القصصي للأطفال بالمغرب بدأ متدرجا. ومرّ بفترات اختلفت فيها كمية الإنتاج. ولهذا صنفتُ مراحل تطور الإنتاج القصصي إلى الفترات التالية:
1- فترة الظهور: وتبدأ من سنة 1936 إلى نهاية الاستعمار الفرنسي بالمغرب. وتتميز بهزالة الإنتاج، بحيث لم يتجاوز قصة واحدة في كل سنتين.
2- فترة النمو: وتبدأ من سنة 1956، أي السنة التي استقل فيها المغرب من الاستعمار، إلى غاية 1973. دامت هذه الفترة ثمانية عشر سنة، وارتفع فيها الإنتاج إلى معدل قصة واحدة ونصف في السنة.
3- فترة التطور: وتمتد من سنة 1974 إلى سنة 1988.
4- فترة الازدهار: وهي الفترة الذهبية لقصص الأطفال بالمغرب، وتمتد من سنة 1993 إلى سنة 2000.
5- فترة الركود: وقد عرف الإنتاج القصصي للأطفال التراجع أربع سنوات متتالية، من سنة
1989 إلى نهاية سنة 1992. وكذلك من سنة 2001 إلى سنة 2010، وهي حدود الفترة التي تناولناها في هذه الدراسة.
وهذا التقسيم المبني على مقاربة إحصائية يختلف عن التقسيم الذي قدمه الدكتور جميل حمداوي لقصص الأطفال بالمغرب إلى أربعة مراحل تاريخية كبرى:
1- مرحلة الظهور والانبثاق من 1936م إلى 1970م.
2- مرحلة التأسيس والترسيخ من سنة 1970 إلى سنة 1980م.
3- مرحلة الازدهار والانتعاش من 1980 إلى 2000م.
4- مرحلة الركود والتراجع النسبي في العقد الأول من سنوات الألفية الثالثة 4 .
وهناك عوامل بارزة أثرت على الإنتاج القصصي بالمغرب، منها:
1- الإصلاحات التعليمية: فقد عرف المغرب عدة إصلاحات لقطاع التعليم، تطور معها أعداد التلاميذ الذين ولجوا المدارس، مما وفر قاعدة مهمة يستهدفها كتاب قصص الأطفال. وساهمت جمعية تنمية التعاون المدرسي، التابعة لوزارة التربية والتعليم بالمغرب، بمجهودها في تعميم تعاونية الأقسام انطلاقا من سنة 1974 5 . وهذا العامل دفع المعلمين إلى تزيين متاحف الأقسام بمحتويات متعددة، منها قصص الأطفال. وقاموا بدعوة التلاميذ لاقتنائها والإقبال على قراءتها. كما ساهمت الجمعية في تشجيع قراءتها، وذلك عبر إحداث نادي القصة، حيث تعتبر القصة وسيلة تثقيفية من خلال دورها الفعال في المجالين التربوي والتعليمي، ونظرا لأهمية دورها يخصص لها نادي يُطلق عليه نادي القصة) 6 . وكانت الأهداف المسطرة لهذا النادي هي: المساهمة في إغناء الحصيلة اللغوية للمتعلم، وتنمية خياله. وتوسيع مداركه وتعميق خبراته. وتزويده بمعلومات تاريخية وقيم دينية ووطنية وأخلاقية. وتحقيق المتعة الأدبية والترفيهية 7 . وهكذا كان عامل إصلاح التعليم مهما في تشجيع إنتاج قصص الأطفال بالمغرب.
2- قضية الصحراء المغربية: ظهرت هذه القضية على المستوى السياسي سنة 1975، كعامل قوي، رفع معنويات المغرب بتحرير الصحراء المغربية من المستعمر الإسباني. ولكن تكاليف ذلك أثر بشكل سلبي على ميزانية الدولة، وكذا القدرة الشرائية للمواطنين. وكان من بين النتائج عرقلة الجهود التي تبذل في هذا الاتجاه، والمساهمة في تعطيل النمو الطبيعي لإنتاج قصص الأطفال بالمغرب.
سابعا: ملاحظات متعلقة بالطبع والنشر:
لا تخفى أهمية الطباعة في المساهمة في الإنتاج الأدبي عموما. وقد ذكر عبد المجيد بن جلون أن ظهور المطبعة في المملكة عام 1852 مكن من ازدهار الكتابة والتأليف رغم اقتصار ذلك في البداية على اللغة والفقه) 8 . وكان وجود البلاد تحت سيطرة الاستعمار عرقلة دون تطور الطباعة بالمغرب. فلا غرابة أن نرى بعض الكتاب يلجؤون إلى خارج الوطن بحثا عن الثمن المنخفض أو بحثا عن الجودة. وإلى ذلك يشير عبد الكريم غلاب في قوله: فإن المغرب وإن عرف الطباعة في شكلها البدائي الحجري – الذي كان لها الفضل في المحافظة على تراث مهم علمي وثقافي بالمغرب – فإنها لم تكن بمستطيعة أن تشجع النشر وأن تسابق الإنتاج لتجعل منه سوقا فكرية رائجة في المغرب كما فعلت في المشرق منذ أن أدخلها نابوليون إلى مصر) 9 . ولعل هذا هو ما دفع بعض كتاب قصص الأطفال إلى طباعة بعض قصصهم خارج المغرب، كما فعل أحمد عبد السلام البقالي بقصصه التالية:
– ” قصص من المغرب” التي نشرها بالمطبعة العالمية بالقاهرة، سنة 1957.
– “الفجر الكاذب” التي نشرها بدار الكشاف للطباعة والنشر ببيروت، سنة 1966
– ” المومياء” التي نشرها بمطبعة الدار التونسية، سنة 1976.
– ” زياد ولصوص البحر” التي صدرت عن وزارة الثقافة والإعلام العراقية، سنة 1981.
– سلسلة ” كتاب الشباب” وتضم خمس قصص. صدرت عن مكتبة العبيكان بالرياض بالسعودية بتاريخ 1996. ثم نشر بنفس المطبعة خمس قصص أخرى خارج هذه السلسلة بنفس السنة.
وكذلك نشر عبد الحق الكتاني وعبد الرحيم الكتاني 12 قصة في المطبعة التونسية. (بدون ذكر التاريخ). ونشر عبد اللطيف اللعبي قصة “شمس سعيدة” طبعها في فرنسا سنة 1986.
على أن أغلب كُتاب قصص الأطفال بالمغرب طبعوا قصصهم في مطابع مغربية. ويلاحظ متتبع قصص الأطفال بالمغرب بأن جل هذه الإبداعات ظهرت بالدار البيضاء والرباط والقنيطرة. أي في المثلث الاقتصادي الذي يوجد في الوسط الغربي من المغرب، والذي يشكل القلب النابض للوطن إلى يومنا هذا. بينما هناك أعمال قليلة أخرى طبعت بفاس وطنجة وتطوان والناظور ووجدة.)ومن المطابع التي سهرت على نشر قصص الأطفال نذكر من مدينة الدار البيضاء: مطبعة دار الثقافة، ودار الرشاد الحديثة، ومطبعة المدارس، ومطبعة النجاح الجديدة، ودار إحياء العلوم، وأفريقيا الشرق، ودار التراث العربي، ومكتبة الأمة، والمكتبة المحمدية…)ومن مدينة الرباط نذكر: مطبعة المعارف، ومطبعة المعارف الجديدة، ومطبعة دار المناهل، ومطبعة نداكم، ومطبعة دار نشر المعرفة، ومطبعة عكاظ، ومطبعة بابل، ومطبعة أنتركراف، ومطبعة الفردوس..)ومن مدينة القنيطرة نذكر: مطبعة دار البوكيلي، والمطبعة السريعة، ومطبعة الأندلس، ومطبعة أمبرمانور، ومطبعة معمورة…) 10 .
ويحدد الدكتور جميل حمداوي أهم المصادر التي اعتمد عليها كتاب قصص الأطفال بالمغرب في ما يلي 11 :
1- قصص القرآن الكريم؛
2- السيرة النبوية المباركة؛
3- قصص الصحابة رضوان الله عليهم؛
4- التاريخ المغربي والتاريخ العربي الإسلامي؛
5- نوادر جحا وحكايات الأعراب والمغفلين؛
6- قصص العرب الطريفة؛
7- كليلة ودمنة لابن المقفع؛
8- كتب المقامات (بديع الزمان الهمذاني، والحريري..)؛
9- التراث الشعبي العربي؛
10- القصص العالمية؛
11- أمثال لافونتين؛
12- شوقيات أحمد شوقي؛
13- الإبداع الشخصي.
يحيلنا هذا التنوع في المصادر إلى تنوع المواضيع التي تطرقت إليها هذه القصص. منها مواضيع تُفصح عن نفسها من خلال عنوان القصة. ويحس الدارس لقصص الأطفال بالمغرب بوجود المواضيع الدينية والتاريخية والتربوية والمغامرات والخيال العلمي والنوادر وغيرها. فالقصص التي توحي عناوينها بالطابع الديني عددها هو 237 قصة للأطفال، أي ما يقارب خُمس القصص التي تناولها بالإحصاء. بينما يوحي 79 عنوانا على الطابع التاريخي للقصة، و17 عنوانا على قصص المغامرات وفي موضوع الحيوانات هناك 15 قصة من سلسلة “عالم الحيوان” للكاتب العربي بن جلون. وسلسلة قصصية واحدة في موضوع الخيال العلمي لنفس الكاتب، تضم 06 قصص طبعت سنة 1999. ولذلك فإن من يتصفح قصص الأطفال بالمغرب سيصادف تنوعا على مستوى التجنيس والتصنيف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على اختلاف مشارب الكتاب، وثراء خيالهم الإبداعي، وتنوع الفئات الطفلية التي تتوجه إليها هذه القصص) 12 .
[2] من منشورات منبع الكتاب، سنة 2008.\
[3] بن جلون، العربي. القصة المغربية انطلقت من مرحلة المقاومة.\
[4] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب.\
[5] اللجنة التربوية لجمعية تنمية التعاون المدرسي . الدليل التربوي للتعاون المدرسي. 1994. ط1. مطبعة النجاح بالدار البيضاء.ص 44.\
[6] نفس المرجع. ص 62.\
[7] نفس المرجع. ص 62.\
[8] بن جلون، العربي. القصة المغربية انطلقت في مرحلة مقاومة الاستعمار…\
[9] غلاب، عبد الكريم. ملامح الأدب العربي الحديث بالمغرب.الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة ( ب ت).\
[10] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب.\
[11] نفس المرجع.\
[12] حمداوي، جميل. قصص الأطفال بالمغرب.\