تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي بقوة مع الصور القادمة من العاصمة الرباط، والتي أبرزت حجم التدخلات الأمنية في حق الأساتذة، مربو الأجيال، فتركت الأساتذة مكسورين ومعطوبين، ونددت الكثير من الفعاليات المجتمعية في تدوينات غاضبة ومستنكرة حجم الظلم الواقع على نساء ورجال التعليم، ومطالبة في الآن نفسه بمحاسبة كل من تورط في هذه الوقائع المشينة.
الأستاذ والموجه التربوي منير الجوري قال إن “العنف الذي مورس على الأساتذة هو عنف متعدد الأبعاد ومتعدد المصادر“، وأضاف قائلاً “عندما ندين ونشجب ونطالب بالمحاسبة ينبغي ألا نختزل ذلك في شخص واحد، فذاك الشخص الذي تروج صوره وفيديو جريمته هو جزء لا يتجزأ من منظومة قمعية سلطوية، وربما يكون هو الحلقة الأصغر فيها“.
عضو الأمانة العامة للدائة السياسية لجماعة العدل والإحسان طالب بأن المحاسبة يجب أن تطال كل “المنظومة السلطوية القمعية التي تمدد قمعها وتوزعه على كل الفئات“، لذلك يجب المطالبة بمحاسبة: “كل الأعوان الذين مارسوا العنف ضد الأساتذة، وكل الجهات التي أعطتهم الضوء الأخضر للقيام بهذا العنف، وكل حاملي العصي الذين أسالوا دماء المحتجين السلميين، وكل الجهات التي أعطتهم الضوء الأخضر للقيام بهذا العنف، وأولئك الذين تحرشوا بالأستاذات، والذين صفعوا، والذين دهسوا، ورفسوا، وكل الجهات التي أعطتهم الضوء الأخضر للقيام بهذا العنف، ولا تنسوا الوزارة الوصية التي أغلقت أبواب الحوار، وعلقت الاتفاقات السابقة”.
وذهب الناشط الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور إلى أن “الدولة البوليسية تنتقل من المقاربة الأمنية المعتمدة على الإفراط في استخدام القوة، إلى المقاربة البلطجية بدعمها اللاقانوني لأعوان السلطة من أجل الاعتداء على المتظاهرين وتعنيفهم والتنكيل بهم والاختصاص في التحرش بالمحتجات“.
وأضاف الرئيس الأسبق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان موجهاً قوله لمن صفقوا مع بداية الجائحة لأعوان السلطة (مقدمين وشيوخ) بأن قال: “لقد شجعتم الاستبداد على أن يوسع اختصاصاتهم زمن الجائحة وما بعدها، فمن منح رخص التنقل الاستثنائي وماشابها من تلاعب وتدبير عملية التلقيح، إلى توزيع اللكمات على الأحرار وسحلهم واليد الطولى في تفريق المظاهرات العمومية وإيقاف المحتجين، كل الشجب والتنديد بهذا الانحذار والانزلاق نحو الهاوية والسلطوية الفجة!”.
أما الأستاذ عبد الكريم العلمي فقال إن ما وقع يوم الثلاثاء 16 مارس 2021 لرجال ونساء التعليم “وصمة عار في جبين المغرب حكاما ومحكومين“، مضيفاً أن يتعرض هؤلاء الرجال والنساء “لكل ذلك التنكيل والعنف، وأن تتعرض النساء، ولا تفصلهن عن 8 مارس إلا أيام، مع الضرب والبطش إلى التحرش المذل – كما استطاعت بعضهن أن تصرح بشجاعة وقوة – أمر لا تكفي معه البيانات الشديدة رغم أهميتها، ولا تغني فيه الخطب الغاضبة“.
عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان تابع بالقول بأنه “لا بد أن يكون للمجتمع بكل قواه الحية من نقابات وحقوقيين وسياسيين وإعلاميين ومفكرين.. فعل قوي يقابل هذه الأعمال الدنيئة، ولا ننتظر من الدولة أي شيء في هذه الواقعة، لأن من الواضح أن العقلاء داخل الدولة أصبحوا مغلوبين على أمرهم، فالمعول على المجتمع لإنقاذ الوطن وإيقاف مسلسل التغول والاستئساد على الشعب”.
في حين رأى الأكاديمي عبد العلي الودغيري إنه “لا يمكن أن نقبل بالاستمرار في إهانة أطر التعليم بشكل يومي، وإرغامهم على تسوّل عطف الدولة والوزارة الوصية في الشوارع. ولا يمكن أيضا أن نقبل بالاستمرار في سياسة تهميش قطاع التعليم العمومي وإنعاش التعليم الاستثماري التجاري الذي يستنزف جيوب المواطنين من الطبقيتين الفقيرة والمتوسطة رغم هزالة نتائجه وتدنّي مستوى تكوينه“.
أستاذ العلوم اللغوية أضاف أن “تطبيق نظام التعاقد على المدرِّسين في القطاع العام خطأ لا شك فيه، لجأت إليه الحكومة بصفة استعجالية منذ بضع سنوات لتدارك النقص الكبير في أطر التعليم الذي لم تحسب حسابَه من قبل ولم تفكر فيه برؤية مستقبلية بعيدة المدى، وإلا لكانت قد أعَدَّت له العُدّة من قبل وعملت على تكوين ما يلزمها من مدرِّسين في الوقت المناسب. والغريب أن الدولة قامت سنة 2005 بتسريح الآلاف من خيرة المدرِّسين في مختلف أسلاك التعليم في العملية التي عُرِفت بالمغادرة الطوعية، تنفيذًا لمطالب صناديق الاقتراض الخارجية، وقد صُرِفت عليها أموال طائلة، ثم عادت بعد عشر سنوات لتفاجئنا بأنها في حاجة ماسّة إلى آلاف الأطر التربوية في الابتدائي والثانوي، وأنها لا تملك الوقت الكافي لتكوينهم تكوينا تربويا وبيداغوجيا ملائمًا كما كان عليه الوضع من قبل“.
ودعى الودغيري إلى ضرورة إسراع الدولة إلى التخلص من نظام التعاقد لأنه “لا يُعقل أن يصبح المدرِّس في المدرسة العمومية مهدَّدًا بالطرد والاستغناء عنه في كل وقت، بل على الدولة أن تؤمّن له جوًّا من الاطمئنان على مستقبله ومستقبل أبنائه وأسرته حتى يتفرَّغ لأداء مهمته النبيلة في ظروف مشجِّعة على البذل والعطاء. وتأمين حياة المدرّس مسألة تهم كل الفئات من المواطنين، باعتباره المعوّل عليه في صناعة الأجيال والعقول والسواعد، ولا يمكن إغماض العين على حالة القلق والانزعاج والاضطراب النفسي والمادي التي يعيش فيها، ولا يمكن أن نطمئن لفلذات أكبادنا ونحن نضعها بين يديه وهو على هذه الحالة المؤسفة التي تضطره بين الحين والآخر، منذ سنتين أو أكثر، إلى الخروج للشارع والتعرُّض لأصناف المعاملات المُهينة“.
من جهته قال الأكاديمي الدكتور عبد العالي مسؤول إنه “حينما يهان الأساتذة رجالا ونساء وتكسر عظامهم فاعلم أن الاستبداد لا نية له في التغيير ولا إرادة له على الإصلاح“، مضيفاً أن “تجرأ أعوان السلطة ورجال “الأمن” وغيرهم على مَنْ عَلّمهم ويُعَلِّم أبناءهم بالإذلال، مع أن حق التظاهر مكفول في القوانين والشرائع، شرط سلمية التظاهرات، ومحافظة المتظاهرين على ممتلكات الناس ومؤسسات الدولة، فالأجدر بهذه الأجهزة حينئذ حماية المتظاهرين وتوفير الأمن لهم، محافظةً على أبدانهم وأرواحهم، لا زَبْرُهم وإهانتهم بالقول والفعل“.
الأستاذ الجامعي وعضو مجلس إرشاد الجماعة أكد أن “هؤلاء الباطشين ليسوا سوى مخالب لسادة وكبراء أمروهم بالقمع فامتثلوا”، ومحذراً من أن “مبدأ “التعاقد” رغم ما أحدثه من قلاقل يُطِلّ برأسه في المادة الثانية من مسودة مشروع النظام الأساسي للتعليم العالي، ولا يبعد أن يُفرَض على الأساتذة الجامعيين كما فُرِض من قبل على التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي“.