قد تمر بنا الأيام والسنين من الصبا إلى الشباب فالكهولة ثم الشيخوخة، ومع ذلك لا نشعر بأي تقدم يذكر في حياتنا وكأن قطار الحياة يسير بنا ببطء شديد وقد يتوقف بنا في محطات رغم أن الزمن لا يتوقف، فكيف نستدرك الأمور لنحث السير ونصل إلى مبتغانا في هذه الحياة؟
في هذا الصدد ينبهنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح: “نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ والفراغُ” رواه البخاري.
ما معنى مغبون فيهما؛ أي لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس، حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم حينذاك. (المعنى من كتاب الزهد لتحفة الأحوذي).
بحلول فصل الصيف وفي العطل خاصة قد لا يشعر المرء وهو في دوامة الحياة أن الوقت يسير دون توقف وأن الأيام تمر كمر السحاب. والأحرى بالمرء أن ينظر من حين لآخر ما قدمت يداه في سابق أيامه للاحقها، فإن كان خيرا فليحمد الله تعالى وإن كان غير ذلك فليغير ما يستطيع تغييره. يقول الله سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا. فجهاد النفس يحدث التغيير بفضل الله سبحانه وتعالى، وهكذا يزيد الإنسان ارتقاء وتطورا من الحسن إلى الأحسن ومن الجيد إلى الأجود دائما في توازن بين متطلباته الروحيةوالعقليةوالجسمية. والذي يحافظ على أوراده اليومية من قراءة وتفكر وتدبر لن تفوته هذه المعاني. والله سبحانه وتعالى يقول في محكم تنزيله:
_ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ سورة المائدة.
_ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ سورة الأنبياء.
_ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ سورة المؤمنون.
_ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ سورة فاطر.
_ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ سورة المطففين.
قد تمضي الأيام والسنين رتيبة دون تغيير أو تطلع إلى الأفضل وقد لا ننتبه إلا بعد فوات الأوان، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا أن نتعامل مع الحياة، وذلك باغتنام الفرص التي تمر بنا، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: “اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”. رواه عبد الله بن عباس.
فلننتفض ونشمر على ساعد الجد ونزيل جميع ما يشوب حياتنا من سلبيات لنحل محلها الإيجابيات، نغير أحوالنا من الحسن إلى الأحسن، من الكسل إلى الاجتهاد، من الخمول إلى النشاط، من التسويف إلى العزم، من العبث إلى التعقل، من ضياع الوقت إلى استثماره، من الهزل إلى الجد من التهاون إلى الإقدام، من التقاعس إلى الهمة من الاتكال إلى الريادة… إلى آخره من العزائم والقيم والأخلاق التي ينبغي أن نستغني بجيدها عن رديئها، طامحين نحو المعالي كل ذلك في رضا الله سبحانه وتعالى ومرادنا دائما هو سعادة الدارين دنيا وآخرة.