الأخلاق لغة، جمع للخلق،والخَلق والخُلق: السجية، هو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنة،وهي نفسه، وأوصافها، ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة) 1
أما اصطلاحا، فالخلقحال للنفس به يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، والخلق قد يكون في بعض الناس غريزة وطبعا، وفي بعض الناس لا يكون إلا بالرياضة والاجتهاد ) 2 قال الإمام الغزالي في تعريف الخلق إنه:هيئة في النفس راسخة، عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر، من غير حاجة إلى فكر وروية) 3 فالخلق إذن، هو حال للنفس الإنسانية، أي صفة مستقرة في نفس الإنسان، سواء كان هذا الحال فطريا، أي نابعا عن طبعه وسجيته وطبيعة نفسه الأصلية، أو كان هذا الحال مكتسبا، أي اكتسبه الإنسان إذ لم يكن من طبعه، وذلك عن طريق رياضة النفس والاجتهاد والتمرس.
إلا أنه ليست كل الصفات المستقرة في النفس يمكن أن نطلق عليها اسم الأخلاق، فالغرائز مثلا، تعد أيضا صفات مستقرة في النفس الإنسانية ولا تعتبر أخلاقا. فكل خلق صفة للنفس، وليست كل صفة نفسية خلقا.
ولكي نستبين الأخلاق ونميزها عن غيرها من الصفات الإنسانية النفسية، ننظر في آثار السلوكات التي تصدر عن المكلف بناء على تلك الصفات، فإذا كانت الآثار مما يحكم عليها بالحسن والقبح، فهي أخلاق، وإذا كانت مما لا يمكن الحكم عليها بذلك، فهي ليست بأخلاق.
فإذا قام المكلف مثلا، بفعل الأكل فإنه لا يحمد أو يذم على ذلك الفعل، لأنه تصرف منه وسلوك لم ينبع من صفة خلقية في نفسه، وإنما دفعته إليه الحاجة إلى إشباع غريزة الجوع.
أما إذا قام هذا المكلف نفسه إثر عملية الأكل، بالاكتفاء بحد الشبع، ولم يصل إلى حد الشره، فإنه يحمد على فعله، لأنه تصرف منه وسلوك نابع عن صفة نفسية خلقية محمودة، وهي صفة القناعة.
هذا وإن الأخلاق كما تبين لنا من تعريفها لغة واصطلاحا، تنقسم إلى ما هو حسن، وما هو قبيح.
فالأخلاق الحسنة، هي حال للنفس فطري أو مكتسب، عنه يصدر سلوك إنساني تقبله العقول الإنسانية السليمة، وتستحسنه النفوس البشرية، فيكون محمودا، لأنه يرجع بالخير والنفع للفرد والجماعة، وتسمى مكارم الأخلاق، أو محاسن الأخلاق، أو الأخلاق الحميدة. ومثالها بر الوالدين، والإحسان، والرفق، والسمت الحسن…
أما الأخلاق السيئة، فهي حال للنفس فطري أو مكتسب، عنه يصدر سلوك إنساني ترفضه العقول الإنسانية السليمة، وتنفره وتستقبحه النفوس البشرية، فيكون مذموما لأنه يرجع بالشر والضرر على الفرد أو الجماعة، وتسمى برذائل الأخلاق، أو مساوئ الأخلاق، أو الأخلاق الذميمة. ومثاله الكذب، والنفاق، والبخل…
وقد ثبت باستقراء نصوص الخطاب الشرعي، أن المعتبر من الأخلاق ما كانت حسنة دون غيرها، فجاء الأمر باكتسابها والاتصاف بها، والنهي عن الأخلاق الذميمة الرديئة والتحذير منها.
ومن النصوص الواردة في الموضوع، قول الله عز وجل في أجمع آية في القرآن:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 4 وقوله عز من قائل:قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّوقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” 5
ومثل ذلك كثير من النصوص التي تفيد وجوب اكتساب الأخلاق الحسنة، واجتناب الأخلاق السيئة.
إن الأخلاق الحسنة أو الأخلاق الحميدة تأخذ صورا عديدة وسلوكات متنوعة جاءت ببعضها نصوص قرآنية ووردت أخرى في السنة النبوية، ومثالها: خلق بر الوالدين، وصلة الرحم، والأخوة، والرحمة، والبذل، والرفق، وغيرها. وإذا ما تأملنا قيمة هذه الأخلاق الكريمة في ديننا الحنيف فإننا سنجد أن الرسالة المحمدية قد أعطت للخلق الحسن قيمة كبيرة، حيث مجدت صاحب الخلق الحسن تمجيدا، وذمت ذا الخلق السيئ ذما.
نصوص وشواهد عديدة غير محصورة ولا محدودة، تجلي لنا تلك القيمة الكريمة والمنزلة العظيمة التي ينالها المكلف بحسن خلقه، وكريم سلوكه، وجميل معاملته، وكرم ضريبته، أذكر منها:
1- نصوص وردت في حقيقة ومعنى البر: عن النواس بن سمعان قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال: )“البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس” 6
2- نصوص وردت في كمال الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائكم خلقا” 7
3- نصوص وردت في خير العمل وأفضله: روى محمد بن نصر المروزي مرسلا أن رجلا قال:“يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال:”“حسن الخلق،”ثم سأله ثانيا، وثالثا، وهو يقول له:)“حسن الخلق، “ ثم سأله الرابعة، فقال له:)“مالك لا تفقه: حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت” 8 وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء” 9
4- نصوص وردت في خير الناس وأفضلهم: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول :)“من خياركم أحسنكم أخلاقا” 10 وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا“ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا” 11
5- نصوص وردت فيما يبلغ به المرء أفضل درجة العبادة: روى ابن حبان في صحيحه والحاكم مرفوعا:“إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” 12 وروى أحمد والطبراني مرفوعا: “إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم ضريبته” 13
6- نصوص وردت في أقرب الناس منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا” 14
7- نصوص وردت فيما يدخل الجنة وينجي من النار: روى الطبراني مرفوعاأوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه السلام:)“يا خليلي حسِّن خلقك ولو مع الكفار تدخل الجنة مع الأبرار، وإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأن أسقيه من حضيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري” 15
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:“حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس” 16
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال:“تقوى الله، وحسن الخلق” 17 التخلق بالخلق الحسن والتجمل بكريم الآداب ومحاسن الشيم في التعامل مع سائر خلق الله، هذا إذن ما يجعل العبد المؤمن ينال من الدرجة والمنزلة ما لا يناله بغيره من الأعمال والعبادات.
اللهم حسِّن أخلاقنا وجمِّل سلوكنا وطيِّب سجيتنا.
آمين والحمد لله رب العالمين.
[2] الفكر الأخلاقي العربي للدكتور ماجد فخري:2/89، نقل هذا التعريف عن الفيلسوف يحيى بن عدي المتوفى سنة 338هـ.
[3] الإحياء : 3/58.
[4] سورة النحل الآية 90.
[5] الموطأ، حديث رقم 36، عن أبي هريرة.
[6] صحيح مسلم، كتاب البر والصاة، باب تفسير البر والإثم، 4632. قال ابن القيم تعليقا على الحديث (قابل البر بالإثم، وأخبر أن حسن الخلق والإثم حواز الصدور وهذا يدل على أن حسن الخلق هو الدين كله وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام) مدارج السالكين2/318.
[7] سنن الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، حديث 1082
[8] الترغيب والترهيب: 3/ 272.
[9] سنن الترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، حديث 1925.
[10] صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث 3295.
[11] مواردالظمآن: 1/474 عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[12] موارد الظمآن: 1/475 عن عائشة رضي الله عنها.
[13] مسند الإمام أحمد: 2/177، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
[14] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معالي الأخلاق، حديث 1941
[15] مجمع الزوائد: 8/20 باب ما جاء في حسن الخلق.
[16] مسند الإمام أحمد: 1/415، عن عبد الله بنمسعود رضي الله عنه.
[17] سنن الترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، حديث 1927.