بعدما خرج الفلسطينيون من عام 2022 الأكثر دموية على الشعب الفلسطيني حسب وصف تقرير الأمم المتحدة، وذلك بسبب همجية قادة وقوات الاحتلال الصهيوني الذين خلفت رعونة قراراتهم استشهاد 230 مواطنا فلسطينيا من بينهم 44 طفلا، دخل شعب الشتات في دولة الاحتلال تحت وصاية وسلطة حكومة يمينية متطرفة تتشكل من أكثر الأحزاب تطرفا وعنجهية في تاريخ الكيان، حيث آلت مسؤولية تدبير الأمن الداخلي إلى وزارات الداخلية والأمن التي يقودها أشخاص اشتهروا بعنصريتهم وحقدهم الصريح اتجاه سكان الأرض وأصحابها الحقيقيين.
هذه الحكومة التي رفع أقطابها في حملاتهم الانتخابية قبل شهرين شعارات وبرامج مغرقة في العنصرية والهمجية، متوعدين بتنفيذها على أرض الواقع، وهو الشيء الذي رصده وشهد عليه كل المتابعين للشأن الفلسطيني منذ الجلبة الانتخابية، وفي مفاوضات توزيع الحقائب الوزارية وعند تنصيب رؤوس الشر في الوزارات، وقد انعكس ذلك على الأرض في شكل عمليات قتل ممنهجة للفلسطينيين والتدنيس المتكرر لأماكن العبادة وخاصة المسجد الأقصى وتماديا في محاصرة وتجويع مليوني شخص في قطاع غزة.
بدأ العام الجديد 2023 وتوالت أيامه ووقائعه فتأكد الجميع داخل فلسطين وخارجها من أن هذه الحكومة ماضية في الاستهتار بالقوانين والقرارات الدولية، والاستخفاف بالمنتظم الدولي، وأخطر من ذلك التلاعب والمغامرة بأمن وسلامة مستوطنيها، فأمعن ساستها وأمنيوها في أفراد الشعب الفلسطيني قتلا وجرحا وتشريدا وفي الأرض المباركة اقتحاما وتدنيسا واستيطانا، فكان لزاما على المعتدى عليهم رد العدوان والدفاع عن أرضهم وعرضهم.
يوم الخميس الماضي تجرأت قوات الاحتلال الصهيوني على اقتحام مخيم جنين وارتكاب مجزرة بشعة ارتقى خلالها تسعة شهداء، لم تفرق آلة الحرب الصهيونية العمياء خلالها بين شيخ وعجوز أو شبان مسلحين يذودون عن الديار والعمار. كانت هذه المجزرة بالنسبة للحكومة الصهيونية المتطرفة نوعا من استعراض القوة في وجه مدنيين عزل، إلا من قطع سلاح خفيفة، فرض عليهم اقتناءها اعتداءات المستوطنين وعمليات القتل العمد الجماعي والمنفرد التي ترتكبها قوات الاحتلال في كل وقت وحين ، كما اعترف بذلك جنودها المسرحون، متفاخرين بذلك أو منتقدين لكبرائهم الذين دفعوهم إليه دفعا.
إلا أن الرد على جرائم الاحتلال كان مزلزلا في توقيته وحجمه وتداعياته، حيث قام شاب مقدسي لا يتجاوز عمره 22 عاما بإسقاط تسعة مستوطنين هلكى وجرح إثني عشر أخرين وذلك بعد يوم واحد من مجزرة جنين، في عملية فدائية دقيقة أكدت وهن وعجز المنظومة العسكرية والاستخبارتية الصهيونية.
كما أنها أدت إلى إصابة الصهاينة بالذعر والهلع وذلك نظرا لحصيلتها الثقيلة التي فرضت على قادة الكيان الاعتراف بأنها العملية الأصعب والأقسى منذ 15 سنة خلت.
في جانب آخر أثبتت هذه العملية مستوى الأداء والكفاءة الكبيرين اللذين وصل إليهما شباب وأسود فلسطين. إذ كيف لشاب في مقتبل العمر أن يحصد هذا العدد الكبير من الضحايا في قلب مجتمع مسلح بالكامل ويكاد يكون مغلقا تماما اجتماعيا وأمنيا.
يقول الحق سبحانه في معرض حديثه عن حالة الحرب بين المسلمين المؤمنين وأعدائهم من المشركين وغيرهم ممن يحارب المسلمين ودعوة الإسلام: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا سورة النساء الآية 104.
في هذه الآية الكريمة هناك مشترك ومفترق. فالمشترك بين المسلمين وأعدائهم أن الوجع والألم متشابه ومتماثل، كل يصيب خصمه فيترك ذلك ألما ووجعا يقصر مداه أو يمتد بحسب حجم الإصابة وكذلك بقدر الاستعداد والتحمل التي يمتلكها كل طرف.
أما وجه الاختلاف والافتراق فهو أن للمسلمين رجاء في الله بالنصر والتمكين في الدنيا وبالأجر العظيم في الأخرى، بينما لا رجاء للأعداء في الدنيا ولا الآخرة، وإنما عاقبتهم الخسران المبين.