الأسرة المسلمة وضرورات المرحلة

Cover Image for الأسرة المسلمة وضرورات المرحلة
نشر بتاريخ

صراع أزلي بوسائل متجددة

تواجه الأسرة المسلمة في المرحلة الراهنة تحديات جمة، أبرزها استهداف كيانها وجرها نحو مستنقع الرذيلة. إن معالم هذا الاستهداف أصبحت بادية للعيان. وما يحدث الآن هو نتيجة طبيعية لِما كان يخطط له أعداء الدين ودعاة الرذيلة منذ عقود؛ اتبعوا خطوات الشيطان فأنساهم ذكر الله، وكلما نقضوا عروة انتقلوا إلى التي تليها؛ فمن الدعوة إلى تحرير المرأة بدعوى المساواة مع الرجل، إلى تجريم الزواج المبكر، إلى الدعوة للتحرر من قيود الزواج بالتشجيع على ممارسة الزنا تحت مسمى العلاقات الرضائية والحرية الجسدية، إلى تشجيع العلاقات الشاذة من لواط وسحاق وتقنين ذلك والعمل على فرضه أمراً واقعا على الشعوب، بل والاحتفال والفخر به في المحافل الدولية وعلى وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة. وقد بلغ بهم الأمر أن يفرضوه بقوة القانون والاقتصاد والسياسة، ويعاقبوا كل من سولت له نفسه انتقاد الفعل وتشنيعه، ناهيك عمن يتجرأ على محاربته. إنها قصة قوم لوط تتكرر. قال الله تعالى: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (سورة النمل، الآية: 56).

إنه صراع أزلي بين معسكر الطهر ومعسكر الفحش، هذا المعسكر الذي يواصل الليل بالنهار، لن يهنأ له بال حتى يشيع الفاحشة في الذين آمنوا. هؤلاء القوم الذين انتكست فطرتهم يريدون طمسا كاملا لمعالم الفطرة لدى الإنسان، وقد ارتكسوا ارتكاسا سحيقا في دركات الدوابية. لم يكفهم ما آلوا إليه من فسق وشذوذ، بل أرادوا أن تشيع الفاحشة في الناس، فجاهروا بها وأنشأوا جمعيات ونواد تدعمهم وتدافع عن حقوقهم، وبذلك فرضوا ضغوطا على الساسة واستصدروا قوانين تحميهم، بل ويطالبون، بعد أن كان الأمر في الخفاء، بالحق في الزواج بين الشواذ وانتزاع الاعتراف به من الهيئات السياسية والمنظمات الدولية باعتباره حقا من حقوق الإنسان. هذا ما يقع في الدول الغربية التي كانت إلى عهد قريب تجرم الشذوذ وتعاقب كل من ارتكبه. فكيف بها الآن تنحدر إلى هذا المستنقع؟ إنه الاستدراج الشيطاني نحو مهاوي الرذيلة حينما يغيب الوحي وتحكم قوانين الأرض بدل قوانين السماء. ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيستمر انحدارا يعقبه انحدار، ولا أَدلَّ على ذلك مما بدأ يظهر على وسائل الإعلام من إعلان بعضهم زواجهم بالحيوانات. إنه التيه الأخلاقي والتمرد على الفطرة في أبشع تجلياته. لكن المخيف في الأمر كله، أن الأمور لم تعد حبيسة ديار الكفر، بل باتت تتسلل إلى عقر ديارنا عبر الأثير، فتعيث فسادا خلقيا في أسرنا وتهدم بنيان الفطرة وتهوي بالنفوس في مهاوي الفحش والرذيلة، حتى أصبحنا نرى بعض شبابنا اليوم وقد بدأت هذه الأفكار الهدامة تتمكن من عقولهم، فأصبحوا يسايرون موجات الموضة والانحلال الخلقي، بل وينعقون مع كل ناعق ويتأثرون، وتتعلق قلوبهم بمن يسمون بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تبين أن هؤلاء المؤثرين ممن لهم خلفيات سياسية وأخلاقية معروفة، يمهدون للإيقاع بالشباب المسلم في شراك الإلحاد والانحلال والتفسخ وإن كانوا لا يفصحون بذلك مباشرة.

ناقوس الخطر

هل تصبح بيوتنا أوهن من بيت العنكبوت؟ وهل ننتظر حتى يعم البلاء؟ أين هي سلطة المجتمع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وأين هو وازع السلطان إذا استفحل الداء؟

إن ما بدأ يحصل، للأسف الشديد، للكثير من الأسر المسلمة التي ابتعدت عن دين الله واتبعت سبل الغواية، لينذر بالخراب والفوضى إن لم نتدارك الأمر ونقف سدا منيعا أمام كل هذه الدعوات الضالة المضلة. ما العمل إذن لننقذ ما يمكن إنقاذه؟ وما هي بعض سبل التحصين لحماية أبنائنا من مخاطر الاستلاب الثقافي والانحلال الأخلاقي؟ لقد استفحل الأمر وأصبح التصدي له فرض عين على كل مسلم ومسلمة!

بيوتنا من الداخل

أصبحت بيوتنا جزرا معزولة، الكل فيها مشغول بهواتفهم التي قلصت من زمن الحوار الأسري. اتسعت بذلك الفجوة التواصلية بين أفراد الأسرة الواحدة، ناهيك عن العائلة فيما بينها. وفي ظل هذا، تقع الكوارث بحيث تفسد أخلاق الأبناء ويعم الجفاء العاطفي أركان البيت، كيف لا والكل مشغول عن الكل وقد وجدوا ملاذا افتراضيا يأويهم جميعا. فالأبناء يتوسلون العطف والإعجاب من الغرباء، أما الآباء فمشغولون هم أيضا في عالمهم، يتابع الأب الغث والسمين من الأخبار، أما الأم فقد امتلك قلْبَها هوسُ الموضة والطبخ والإنفاق والتباهي بذلك على وسائل التواصل الاجتماعي. أما التربية، فهي آخر ما يفكر فيه الآباء، لقد استنزف هوس العالم الموار طاقتهم وسيطر التكاثر على قلوبهم قبل عقولهم. فكيف لبيوت من هذا القبيل أن تسعد وتطمئن؟ من أين ستأتيها الطمأنينة وقد نسيت سبب وجودها أصلا؟

إن لم تستدرك هذه البيوت أمرها وتسترجع أدوارها التي أناطها الشارع بها، فَحرِيٌ بها أن تصبح وحدات بشرية لصناعة الغثائية، حينها أبشر بمجتمع تسود فيه الفوضى والجريمة والأنانية والميوعة.

فإلى متى هذا التنكّب عن جادة الصواب؟ أما آن للأسرة المسلمة أن ترتفع لمستوى تطلعاتِ المرحلة؟