– 1 –
تتموقع ما بين اللحظة والأفق، الواقع والآتي، الحاضر والمستقبل، “مساحة”. مساحة، قدرها أنها تحدد مسارات واتجاهات الأحداث ونتائجها.
“مساحة من الزمن والفعل” على طبيعتها، وطبيعة نَفَسَها والروح التي تسكنها ويقين وفعل وخطاب أصحابها، يقع “المآل”.
إن الإدراك الواعي بطبيعة اللحظة، وهي -في حالتنا اليوم- لحظة انكسار وتقهقر كبير، لا يشكل إلا نصف المهمة العقلية المطلوبة، فالنصف الثاني موكول إلى الإرادة؛ إرادة التعاطي معها؛ أهي إرادة استسلام وقبول سلبي وواقعية انهزامية، أم إرادة مقاومة ومدافعة وثبات ورسوخ في اللحظة وتأسيس وفعل ويقين وأمل في المستقبل؟
– 2 –
حين كان الصحب الكرام يعانون الحصار والتعذيب والتضييق والتهجير والتقتيل وهم قلة ضاقت بهم رحاب مكة وكبراؤها وجنباتها، وحين اقترب الخطر مجسدا في سُرَاقة وحاق الكرب بركب الحبيب رفقة الصديق في هجرة الإسلام، وحين اشتد الخطب وتجمع الأحزاب وانحبس حفر الخندق صدا للمعتدين، وحين وحين وحين… كان الرسول الأكرم لا يخضع للحظة ولا يستسلم لمعطياتها بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم، بل يزرع في صحابته الصبر على الحاضر والأمل في المستقبل، ومع هذا يعلمهم، بعمله قبل تعليمه، عمارة “المساحة/المسافة” بالفعل المتئد الباني، وبالعمل المستمر القاصد (ولو كان بسيطا)، ويغرس فيهم النظر إلى ما وراء “الواقع الكئيب” حيث انبلاج الصبح المنتظر، والتطلع إلى أفق الرحابة والنصر والتمكين، وإلى اليقين في أن الله ناصر المستضعفين وقاهر المستكبرين، ولو بعد حين.
ولذلك، ولأن “رسالة الإسلام” لم تنحصر في اللحظة وانغلاقاتها، انفتحت مكة وأشرعت أبوابها ومعها جزيرة العرب وكثير من بلاد الدنيا، وتزين سُرَاقة بسواري كسرى وتاجه بعد أن صدّق -في لحظة ضعف الدعوة وغربتها- الصادق المصدوق، وتحققت رؤية/رؤيا النبي الثلاث (مفاتيح الشام وفارس واليمن) التي جسدت معنى التمكين والفتح، بعد أن كان مطمح الصحابة، وهم في ضيق الخندق والأحزاب، تفتيت صخرة صمّاء!
– 3 –
لا شك أننا إزاء واقع غاية في الصعوبة والتعقيد، تكالبت فيه على الأمة قوى الاستكبار والمصالح، من بني جلدتنا ومن خارجها، وبعد أن أفشلت -لحظيا- مطمح الشعوب نحو مستقبل أفضل أعلن ملامحه الشباب في الساحات ذات ربيع، ها هي الأنظمة العربية المتسلطة تبيع فلسطين في مزاد ترامب وتضع يدها في يد المحتل الصهيوني الغاصب أولى القبلتين والأرض المباركة وقدس الأقداس…
هذا واقعنا الصعب الذي لا يرتفع، ولكن سيرة نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، تجدد فينا الروح وتضع أقدامنا على الطريق وتمنح عقولنا وقلوبنا البوصلة: الأمل والعمل. هذا هو الشعار والمنهاج، وهذا ما نحن مساءلون عنه، أما البيت فله رب يحميه.