لم يكن حدث الاعتقال الذي طال الصحفي علي أنوزلا حدثا عابرا بل كان له من الارتدادات ما جعل كل طرف سياسي أو إعلامي يتعامل معه وفق مبادئه واختياراته: فإذا كانت القوى الحية في البلاد ومجتمعه الحقوقي مجمعون على التنديد باعتقال علي أنوزلا، فإن الجسم الصحفي الوطني وبعض الهيئات السياسية لم يتفقوا على موقف موحد من هذا الحدث، بل خرجت عدد من المنابر الإعلامية على قلتها مبررة قرار الاعتقال لدرجة أن الأمر وصل في بعض الأحيان لدرجة التشفي. إلا أن مثل هذا السلوك لغرابته ووضاعته من الناحية الأخلاقية يجد مبررا له في أن مثل هذه الملفات تكون مناسبة للتمايز بين خطين على الأقل؛ خط يعتبر أن حدثا من هذا القبيل هو فرصة لا تعوض للتملق للمتسلطين ومدبري الشأن العام، عن طريق تبرير كل القرارات والتحريض على المعارضين والمزعجين بمقابل ندرك جميعنا وضاعته. وإن كان هذا حال هذا الفريق فإن تيارا ثانيا يعتبر من هذا الإجراء مناسبة لا يجب أن تمر دون إبداء التضامن اللامشروط مع الضحية مع التأكيد على ضرورة تجاوز الخلاف الإديولوجي والسياسي في مثل هذه المواقف. لذلك وجدنا في صف المتضامنين مع أنوزلا اليساري واقفا جنبا إلى جنب مع الإسلامي والعلماني مصطف مع السلفي. وقد يبدو هذا المشهد متفردا في مجال إقليمي يئن تحت وطأة الاستقطاب السياسي والفكري، لذلك يمكننا أن نعتبر هذا التشكل من الحسنات القليلة لهذا الحدث.
بعد هذه التوطئة نعود لعنوان هذه المقالة التي تبحث في الأهداف غير المعلنة لمدبري هذا الاعتقال، ولعل أبرزها هو تقليم أظافر الصحافة الإلكترونية التي ظلت إلى الآن متنفسا للأصوات الحرة ومجالا يتسع يوما بعض يوم ليضم زوارا ومتتبعين جدد في المغرب. كما لا يمكن استبعاد كون هذا الاعتقال -الذي طال صحافيا مزعجا للسلطة بمقالاته وبالخط التحريري لموقعه الذي ينفتح على الأطياف المغربية كلها حتى المعارضة الموصوفة بالراديكالية- يأتي في سياق مزيد من الإذلال المقصود لحكومة العدالة والتنمية الذي ما فتئ وزير الاتصال بها وناطقها الرسمي يهلل لعدم وجود أي صحفي معتقل في عهد هذه التجربة معتبرا ذلك من أهم الإنجازات. غير أن استهداف شخص علي أنوزلا لن يكون بعيدا عن هذه المعادلة فقد نجحت عملية الترويض هذه عن طريق الترهيب والاعتقال والاستنزاف في حق عدد لا يستهان به من الأقلام التي كانت إلى عهد قريب معبرة عن حقيقة آلام الشعب وآماله لتصبح بعد المحنة رقما من الأرقام. وإذا كان مدبروا هذا الاعتقال يراهنون على خبو إرادة أنوزلا بوسائل متعددة كطريقة الاعتقال وتمديد الحراسة النظرية والتهديد بالمتابعة في إطار قانون الإرهاب فإن أصدقاءه ومحبوه يراهنون على الرصيد التاريخي للرجل وعلى حجم التضامن معه الذي أخذ أشكالا غير مسبوقة والذي هو من أسباب الصمود المهمة التي لا يمكن تجاوزها.
وفي الأخير لا يمكن لأي ضمير حي إلا أن يتمنى لعلي أنوزلا أن يعانق الحرية في أقرب وقت والرجوع لحضن أسرته الصغيرة والكبيرة، غير أن أحرار هذا البلد قد أبانوا على حس عال من المسؤولية بالتفافهم حول قضيته ومساندته بدون شرط، وهي بلا شك مقدمة لمعركة قانونية وحقوقية وإعلامية ستزيد من فضح الاستبداد وأساليبه وفي المقابل لن تزيد صف الأحرار إلا توحدا، هذه الوحدة التي تقض مضاجع الاستبداد الذي يعمل بكل قواه لتعطيلها.