‎الإمام عبد السلام ياسين شاعرا وكاتبا

Cover Image for ‎الإمام عبد السلام ياسين شاعرا وكاتبا
نشر بتاريخ

ما يميز مسيرة الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، أن حركة الرجل في المجتمع كانت مسبوقة بتحصيل علمي واكتساب معرفي متنوع، منفذا مبدأ “العلم إمام العمل”.

قدم الإمام رحمه الله نموذجاً متفرداً للمثقف المصلح الذي يجمع بين الفكر والوجدان، بين الخطاب الرسالي والإبداع الروحي، مما جعل مشروعه يتجاوز نطاق السياسة والتنظيم إلى الأدب والفكر الأصيل.

يمكن لكل باحث أن يكتشف البعد الأدبي في شخصية الرجل، من خلال تحليل كتاباته الفكرية وإنتاجه الشعري، واستجلاء خصائصه الأسلوبية، ورصد موقعه ضمن الحقل الثقافي.

ورغم انشغاله الكبير بالمشروع التربوي والدعوي، إلا أن الجانب الأدبي لديه — كتابةً وشعراً— يشكل مفصلاً مهماً في فهم شخصيته ورؤيته للإصلاح. في هذا المقال نسلط الضوء على جانب من شخصية ياسين كاتباً وشاعراً، لا مفكراً سياسياً فقط.

الإمام المجدد رحمه الله أولى للغة العربية أهمية كبيرة، لفهم الخطاب القرآني واستيعاب رسالة الإنسان في الدنيا استعدادا لحياة الآخرة الموسومة بالسعادة والفرح. فاللغة عند الإمام ليست مجرد أداة للتبليغ، بل وسيلة للتربية الروحية، ووسيط لإحياء الأمة عبر الخطاب الجمالي الذي يخاطب العقل والقلب معاً.

 أولا: الإمام عبد السلام ياسين كاتباً

1.     موسوعة الإمام

لعل المتصفح لمصنفات الإمام رحمه الله، يمكنه تصنيفها إلى

– أمهات الكتب: المؤسسة لمشروع بناء الأمة على قاعدة المنهاج النبوي، وهي:

  • شعب الإيمان (ج1- ج2)
  • الإحسان (ج1–ج2)
  • العدل: الإسلاميون والحكم
  • تنوير المؤمنات
  • مقدمات في المنهاج
  • نظرات في الفقه والتاريخ

– دولة القرآن

  • مقدمات لمستقبل الإسلام
  • رجال القومة والإصلاح
  • الخلافة والملك
  • في الاقتصاد
  • إمامة الأمة
  • القرآن والنبوة
  • جماعة المسلمين ورابطتها

– قضايا معاصرة

  • La révolution à l’heure de l’Islam
  • محنة العقل المسلم
  • الإسلام والحداثة Islamiser la modernité
  • حوار مع الفضلاء الديمقراطيين
  • الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية
  • الشورى والديمقراطية
  • الإسلام والقومية العلمانية
  • حوار الماضي والمستقبل
  • سنة الله
  • حوار مع صديقي الأمازيغي

– دواوين:

  • شذرات
  • المنظومة الوعظية
  • قطوف (من 1 إلى 8)

– رسائل

  • الإسلام أو الطوفان
  • “رسالة القرن” في ميزان الإسلام
  • مذكرة أغل من يهمه الأمر
  • الرسالة العلمية
  • يوم المؤمن وليلته
  • رسالة تذكير
  • رسالة إلى الطالب والطالبة
  • وصيتي

– محاضرات وحوارات

  • حوارات مع الإمام عبد السلام ياسين
  • أحاديث في العدل والإحسان
  • حوار مع النخبة المغربة
  • حوار شامل مع الأستاذ عبد السلام ياسين
  • كيف نجدد إيماننا؟
  • الفطرة وعلاج القلوب
  • سلامة القلوب
  • اقتحام العقبة
  • الثمن

– مجلات وجرائد

  • مجلة الجماعة من العدد 1 إلى العدد 17 
  • جريدة الصبح: عدد واحد
  • جريدة الخطاب: عدد واحد
  • جريدة العدل والإحسان: عدد واحد

– كتب بيداغوجية

  • النصوص التربوية
  • كيف أكتب إنشاء بيداغوجيا
  • مذكرات تربوية

– قبل التأسيس

  • الإسلام بين الدعوة والدولة، من أجل تغيير الإنسان
  • الإسلام غدا، من أجل تغيير المجتمع

2.     مميزات الكتابة عند الإمام

تمتاز مصنفات الإمام رحمه الله التي تجاوزت الأربعين كتابا بــ:

  • التماسك النظري، وتشكيل “فلسفة إسلامية معاصرة” تعتمد التربية أساساً للتغيير.
  • القصد، وذلك بربط المبتدأ بالخبر
  • الهدفية، من خلال تحديد المنطلقات المنهاجية لبلوغ الغايات:
  • الغاية الاستخلافية (العدل) والغاية الإحسانية (الإحسان)

3. ملامح الكتابة الفكرية

– مركزية القرآن

النص القرآني حاضر بوصفه مرجعاً تأسيسياً. يقول الإمام رحمه الله: “إن القرآن شرع لمجتمع حي متشعبة شؤونه في الأمن والخوف والعطاء والمنع والقضاء والحكم.” 1 ويظهر هذا في:

  • بناء جهاز مفاهيمي متكامل ربط العدل بالإحسان اللذين انفصلا بسبب الانكسار التاريخ.
  • التحليل السياسي والاجتماعي باستشراف الوعد النبوي: الخلافة على منهاج النبوة
  • الاستشهاد التربوي والذوقي الرفيع باعتماد الخطاب القرآني البليغ والقول البالغ
  • النظرة الشمولية لمشروع التغيير من أجل بناء الإنسان والمجتمع والانبعاث الإسلامي، تتداخل فيها: التربية والسياسة والفلسفة والتاريخ والاجتماع… مما يمنح نصوصه طبيعة تركيبية، تربط بين الواقع ومقاصد الشريعة.

– الطابع الرسالي

يخاطب الإمام في كتاباته القارئ باعتباره المعني المباشر بالرسالة وبوصفه عضواً في مشروع التغيير. لذلك تكثر أساليب؛ النداء والخطاب المباشر والتوجيه التربوي، مثل قوله:

“يا غلام، على قدر همتك تعطى!” 2، “يا بني، إن طريق الإحسان طويل، لكنه طريق النجاة.”

– اللغة والأسلوب

أسلوب الكتابة يجمع بين بساطة العبارة وعمق الفكرة ونَفَس الوعظ العميق والبناء المنطقي والحمولة البلاغية العالية، يخاطب العقل والقلب في آن واحد باعتبارهما نسقين متكاملين. مصداقا لقول الله عز وجل: ” أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”.[سورة الحج، الآية 46] 

ثانيا: الإمام عبد السلام ياسين شاعراً

1.  مميزات شعر الإمام

– الروحانية العالية

 لكل جسم روح ولكل كلمة معنى ولكل بيت من الشعر مغزى. الشعر عند الإمام يبث الأذواق الروحية، والشوق إلى الله، ويعبر عن معاني الإحسان، أعلى مقام الدين بعد الإسلام والإيمان أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا.

– النفَس التغييري

الشعر عند الإمام ليس مجرد جماليات لغوية؛ بل توجيه، وتحفيز على الجهاد الأكبر (تزكية النفس) والجهاد البناء (النهوض بالأمة).

– اللغة الشعرية

اعتمد الإمام رحمه الله لغة عربية فصيحة، ووظف صورا بلاغية مستمدة من الشعر التربوي بتوظيف الإيقاع القديم وحضور المفردات القرآنية بوضوح.

مما ميز كتاب الإحسان نموذجا استهلاله بأبيات شعرية لشعراء ويضيف على نفس المنوال بقوله: (وأزيد) أو (وأضيف). يبرز بذلك للقارئ تمكنه من الأوزان والبحور الشعرية، ليعرج به إلى القصد من النظم وتصحيح السير والمسير، بكل لطف وأدب وتقدير.

تتميز النصوص الشعرية للإمام بعمق وجداني يدعم مشروعه التربوي.

2.     نماذج تحليلية من شعر الإمام:

– النموذج الأول: شعر الشوق الإلهي

يا ربُّ ها قلبي تسلّل خافقًا

نحو الرضا، يرجو سناك ويسألُ

هنا يظهر الخطاب المباشر للخالق عز وجل مع إظهار العبودية والتضرع لله عز وجل، بتوظيف الفعل الشعوري (تسلل) والمزج بين الطلب والتسليم.

– النموذج الثاني: الشعر الإصلاحي

قوموا فقد ضاعتِ العمران وانكسرتْ

للمسلمين قلوبٌ ما بها وهجُ

يتناول الإمام رحمه الله قضايا شائكة في تاريخ المسلمين: الانكسار التاريخي، متجاوزا الإغراق في وصف الأزمات التاريخية، حاثا القارئ على ضرورة النهضة وإلزامية البناء وربط الواقع بواجب الإصلاح والتغيير.

ثالثا: تكامل الفكر والشعر في مشروع الإمام

يمثل عبد السلام ياسين نموذجاً للمفكر المجدد الذي يوظف الأدب لخدمة مشروع الأمة على قاعدة المنهاج النبوي. ويمكن تلخيص علاقة الفكر بالشعر عنده في أربعة مستويات:

المستوى الأول: وحدة الخطاب

الفكر والشعر كلاهما أدوات لتربية الإنسان المحسن. إنسان يتميز بقدرته على الربط بين نسقي العقل والقلب.

المستوى الثاني: الوظيفة الوجدانية

الشعر يعبّر عن البعد الذوقي في المشروع التربوي. يكسب المرء لغة الخطاب الفصيح لفهم النص القرآني، بذلك يصبح السالك قادرا على اقتحام عقبات التغيير الفردي والمجتمعي.

المستوى الثالث: الجمالية الرسالية

خطابه الأدبي ليس زخرفاً لغوياً، بل حاملاً لرسالة اجتماعية وروحية. حكم بالغة وأقوال بليغة.

المستوى الرابع: رؤية الإنسان الكامل

يجسد الشعر رؤيته للإنسان المحسن، الساعي إلى الله، العامل لإصلاح الأمة، والجامع بين الروح والجسد

الخاتمة

قال الإمام رحمه الله محفزا الشباب على الكتابة والخروج إلى الناس بفكر منهاجي واضح ومرن: “غدا سيطلب منكم المحاضرة والكتابة… عليكم أن تأخذوا من معطيات الدنيا ما يدل على الآخرة”. جسد الإمام هذا المبدأ في شخصه، وحفز الشباب على اعتماده.

وإنها لأزمة كبيرة يعيشها المثقفون الجدد تتجلى في التكلف في الخطاب والإغراق في الجزئيات والإعراض عن الكليات، ولي عنق النصوص، والتوظيف السيء للغة!

يبرز الجانب الأدبي في شخصية الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله بوصفه جزءاً أصيلاً من مشروعه المنهاجي، إذ جمع بين قوة الفكر وحرارة الوجدان. فقدّم نموذجاً للمثقف الإسلامي المجدّد الذي يسعى إلى صياغة خطاب متكامل، يربط بين التربية الروحية، والنهوض العمراني، والفعل السياسي.


[1] عبد السلام ياسين، كتاب رجال القومة والإصلاح- دين الاجتهاد، ص23.
[2] عبد السلام ياسين، كتاب الإحسان ج1، الإرادة والهمة والعزم. ص 108.