دل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، في مجلسه ليوم الأحد 17 ذي القعدة 1423 الموافق لـ19 يناير 2003، جلساءه على بعض الصفات التي يجب على المؤمن الاجتهاد في تحصيلها في سلوكه إلى الله تعالى كي يصبح من أوليائه الصالحين، وركز على صفتي الخوف والرجاء.
افتتح الإمام مجلسه، الذي نشرته قناة بصائر الإلكترونية، بوصف الله عز وجل في كتابه العزيز “حال المومنين والمومنات والصالحين والصالحات السعداء عند الله عز وجل وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ” في دعوة للبشر والاستبشار والتبشير.
وأوضح رحمه الله تعالى أنه “بين العبد وبين أن يصبح من الفضلاء ومن الصالحين ومن أولياء الله عز وجل أن يقبل على الله عز وجل، العباد إلا من رحم ربك مدبرون عن ربهم مقبلون على الدنيا مشتغلون بها، يعظمونها وأهلها ولا يستحيون من الله”، وبيّن أن العبد يجب “أن يتصف بالحياء من الله عز وجل وفي تعامله مع عز وجل، وأن يجعل نيته القرب منه سبحانه وتعالى، وأن يكون قريبا من التقوى والفلاح”.
وأجاب عن سؤال: كيف نتقرب من الله عز وجل ونصبح من المحسنين؟ بأن هذه غاية وعمل مدرسة العدل والإحسان “فيها نتعلم كيف نرجع إلى الله تعالى ونتوب إليه، كيف ننتقل من الغفلة إلى الذكر، كيف ننتقل من طلب الدنيا إلى طلب الآخرة ثم إلى طلب وجه الله عز وجل”.
ونبه المرشد رحمه الله تعالى إلى ضرورة أن يقف الإنسان مع نفسه، يسائلها: إلى أين تخطو؟ أين بدأت؟ وما هو مقامك اليوم؟ وإلى أين ستنتهين؟ منطلقا من قول الله تعالى: بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ.
واستدل بقول الله عز وجل في قرآنه الكريم: يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ليلفت بصيرة الحاضرين إلى أن هذا اللقاء يلزمه استعداد.
فكيف يجب أن يكون تعاملنا مع الله عز وجل؟ يخبرنا الإمام بأننا “يجب أن نكون عبيدا لله تعالى”، وبأن “من رحمته تعالى أن بعث لنا رسلا وخاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كي يعلمنا كيف نتعامل معه سبحانه وتعالى مباشرة”، فنكون “له عبيدا باختيارنا كما نحن له عبيد رغم أنفنا” مؤكدا أن هذه “هي العبودية المطلوبة؛ عبودية الاختيار”.
وأول ما يجب أن يكون بيني وبين الله تعالى الخوفُ؛ يقول الإمام “لأنه جبار شديد العقاب”، ويتحصل هذا بالابتعاد “عن الحرام وعن المكروه خوفا من العقاب”. ثم نقرن الخوف بالرجاء، حتى لا يهلكنا الخوف، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، “فهو غفور رحيم حنان منان ذو الجلال والإكرام”.
وكما حذر رحمه الله تعالى من تغليب الخوف مخافة الهلكة فقد حذر أيضا من طغيان الرجاء “فننسى الخوف، وهذا خلل في الميزان.. يؤدي إلى التساهل في أمور الشريعة، والله تعالى يقول فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون“.
ليعيد التأكيد على ضرورة “أن نوازن بينهما فنعيش بين الرجاء والخوف، وبهذا ربى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وبه ربانا رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
ونقل لنا المرشد رحمه الله تعالى بعض الآيات والآثار التي تظهر كيف كان الصحابة يعيشون بين الرجاء والخوف، دلالة على حالهم واستنهاضا لهممنا طلبا للاقتداء، يقول الله تعالى في سورة السجدة الآيتان 15 و16: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا.
ويقول في سورة الأنفال، الآية الثانية: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
والله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف الآية 205: وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين. والتضرع هو غاية التذلل لله سبحانه وتعالى.
وفي أثر للصحابي الجليل سيدنا واثلة بن الأسقع قال: “أقسم الخوف والرجاء أن لا يجتمعا في الدنيا في أحد ويَريح رائحة النار، وأن لا يفترقا في الدنيا في أحد ويَريح رائحة الجنة”، ولفت الإمام أن الأمر يقتضي أن لا يخاف المؤمن إلا الله سبحانه وتعالى ولا يخاف غيره وأن لا يرجو غيره.
وربى الصحابة التابعين على نفس الخصلة فقد جاء عن التابعي الجليل سيدنا زيد بن صُوحان أنه قال: ”يا عباد الله، أكرِموا وأجمِلوا، فإنما الوسيلة بين العباد والله خصلتان: الخوف والطمع”.
في مجلس الإمام تفاصيل أخرى، ولمن يريد الاستزادة ننشر الشريط: