يعرف “لا فريير LAFERRIERE” الانتخابات بقوله: إنها السلطة الممنوحة بالقانون إلى عدد من أعضاء الأمة يؤلفون الهيئة الانتخابية من أجل الاشتراك في الحياة العامة، إما بصورة مباشرة أو عن طريق التمثيل من أجل التعبير عن إرادتهم حيال شؤون الحكم).
من أغرب وأعجب آلية الانتخابات أنها توظف من طرف أنظمة متناقضة لتحقيق مقاصد ووظائف متباينة، فهي تستخدم من طرف الأنظمة الديمقراطية للتداول والانتقال السلمي للسلطة، في الوقت ذاته لا يستطيع أحد نفي أن الانتخابات من أبرز الآليات التي يلجأ إليها المستبدون في عالمنا العربي للاستمرار في الحكم بعد أن حفظوا جيدا كل أبواب فقه الوصول إلى السلطة، وأزالوا قهرا كل الفصول التي تتحدث عن تداول السلطة والخروج منها، مما أدى إلى المزيد في تعميق الأزمة السياسية وتوابعها.
وتستمر ثقافة التدليس والتغليط حينما نوظف اللغة ومفرداتها لتسمية الأمور بغير مسمياتها. واقع ينخره الاستبداد ونسميه كذبا بالديمقراطي، وتستدعى الجماهير ليكونوا شهود زور على الواقع المزيف بالمشاركة في انتخابات هدفها النهائي تجديد الولاء للماسكين بزمام الأمور وإضفاء الشرعية على استمرارية الاستبداد.
فالمغرب يعد من بين البلدان العربية التي عرفت أكبر عدد من الاستحقاقات الانتخابية، منذ بداية الستينات والمواطنون مدعوون للإدلاء بأصواتهم والنتيجة هي المزيد من تكريس معالم التصور الملكي وتثبيته والقائم أساسا على ضرورة أن يستمد الدستور شرعيته من السيادة الملكية التي تختزل سيادة الأمة، وتغيب كل الأشكال السيادية الحقيقية، وتنتزع من البرلمان إرادته السياسية المعبرة عن صوت الأمة وهذا ما يناقض برمته أهم مقاصد العملية الانتخابية التي تجعل من الشعب مصدر السلطة، وهو الذي يختار حكامه عن طريق الصناديق الانتخابية فيوفر لهم بذلك الشرعية السياسية أو يجددها، ويقوم بمحاسبتهم وهذا المقصد من أبرز مقاصد الانتخابات الديمقراطية في النظم النيابية المعاصرة وأحد الآليات الرئيسية التي تجعل الحاكم والحكومة المنتخبة يسهرون جميعا على تلبية مطالب الناخبين ورعاية مصالحهم. قد يكون هذا حلم بعيد المنال مادامت اللعبة السياسية تحدد وترسم بعيدا عن نتائج الانتخابات، ومادامت الأحزاب رضيت بالدخول في لعبة لا تتحكم في خيوطها، والأنكى من كل هذا أنها صارت هي بحد ذاتها إحدى خيوط اللعبة.
فالقاعدة الأساسية والأكثر استقرارا هي الحيلولة دون حصول أي حزب على الأغلبية، فالمخزن يرفض رفضا باتا قبول أي قوة سياسية لا يستطيع السيطرة عليها أو التلاعب بها. إنها لعبة القط والفأر التي تشير إلى العلاقة القائمة في الحقل السياسي بين الأنظمة الاستبدادية المدثرة بلباس الديمقراطية والأحزاب التي قبلت دخول مسرح اللعبة، والنتيجة للأسف لعبة مستمرة. عوض أن تعيد النظر هذه الأحزاب في عملية سياسية تقدم لها في أحسن الأحوال حفنة من المقاعد في برلمان وتشكيل حكومة أغلبية لا تملك من أمرها شيئا، يقر كبيرها قبل صغيرها أنهم أتوا لتنفيذ توجيهات السدة العليا، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. يجد المواطن بعد كل انتخابات -وهو الذي كان يترقب الأفضل- نفسه أمام حكومة منقحة هي عنوان لاستمرار لعبة المخزن مع الأحزاب، وعنوان لغياب الحرية والعدالة والكرامة، وعنوان لتدنيس العملية الانتخابية برمتها حينما صارت هي الهدف والغاية بدل أن تكون الوسيلة لتحقيق المقاصد الكبرى للانتخابات.