الباكالوريا مؤشر نجاعة المنظومة التعليمية

Cover Image for الباكالوريا مؤشر نجاعة المنظومة التعليمية
نشر بتاريخ

يفترض في اختبار هام ومفصلي في المنظومة التعليمية للبلد أن يتم تدبير مختلف جوانبه التربوية والتنظيمية بمستوى عال من الحكامة، وذلك لبلوغ الأهداف المرجوة منه ثم للرفع من جودته وقيمته المعرفية وطنيا وعلى الصعيد الدولي. لكن الأمر على العكس من ذلك، فما زالت امتحانات الباكالوريا بالمغرب تعرف جوانب قصور عديدة، على الرغم من نسب ومعدلات النجاح المرتفعة، وبعض الإضافات الشكلية والتي كان من آخرها النسخة الرقمية لشهادة البكالوريا.

الباكالوريا أو الثانوية العامة امتحان فاصل بين مرحلتين تعليميتين متباينتين إلى حد كبير، ليس فقط من حيث الجوانب البيداغوجية والتعليمية، وإنما كذلك من حيث طبيعة الفئات المتعلمة وظروف التدريس ونوعية المعارف والتكوينات التي تتلقاها كل فئة على حدة.

فالتعليم المدرسي في مراحله المختلفة، ابتداء من المرحلة الابتدائية فالإعدادية ثم الثانوية، بكل أو معظم بلدان العالم، يعتبر إلزاميا، ويجبر التلاميذ على الحضور الفعلي إلى قاعات الدرس، لتلقي مضامين منهاج دراسي محدد، وغالبا موحد في كامل المؤسسات التعليمية العمومية، في حين يبقى هذا المنهاج التعليمي في المدارس الخصوصية ومؤسسات البعثات الأجنبية خاضعا لاعتبارات وخصوصيات أخرى خارجة عن سلطة الوزارة الوصية.

والباكالوريا جسر مهم بين مرحلة التعليم الأساسي ومرحلة ما يسمى بالولوج إلى سوق الشغل، سواء بشكل مباشر عن طريق اجتياز مباريات التوظيف في إحدى القطاعات العمومية وشبه العمومية وتلقي تكوين سريع وموجه، ومن ثم مزاولة المهام أو الوظائف المنوطة بالفرد، أو بشكل غير مباشر، من خلال الالتحاق بمؤسسات التكوين المهني المتخصصة في إعداد يد عاملة مدربة تقنيا، أو ولوج إحدى مدارس الأطر العليا ذات الاستقطاب المحدود والحصول على الشهادات العليا والمكانة الاجتماعية المرموقة.

ولذلك فإن الباكالوريا تكتسي أهمية بالغة وذات أبعاد مختلفة، نفسية واجتماعية واقتصادية لدى التلاميذ وأفراد عائلاتهم. وبالنسبة للدولة وأجهزتها الرسمية، وبشكل أخص المؤسسات المرتبطة بالتعليم بعلاقات الإشراف والتدبير والوصاية، فإن الباكالوريا مؤشر على مدى نجاعة المنظومة التعليمية وجودة مستواها، أو بالمقابل دليل على ضعف المستوى والمردودية وتخبط القرارات والسياسات وواضعيها ومنزليها على أرض الواقع.

تلتهم امتحانات الباكالوريا ميزانيات ضخمة من أموال الشعب، يتم صرفها في الإعداد المادي واللوجيستيكي لمختلف عمليات إجراء الامتحانات، أو على شكل تعويضات سمينة لبعض مسؤولي القطاع خاصة على المستوى الجهوي والمحلي. بينما لا يصل منها إلا الفتات إلى الفئات التي تنوء بحمل أثقال هذا الامتحان؛ كالأطر التربوية والإدارية والمساعدين التقنيين. وتلكم إحدى طوام هذا التدبير غير الراشد.

أما من حيث شكل وطريقة تنزيل عمليات ومراحل الامتحان، فما زالت الوزارة الوصية متشبثة بالحيثيات التي طرأت خلال فترة الحجر الصحي المواكب لوباء كورونا، بحيث تم تنزيل إجراء الامتحان عبر أقطاب وشعب ومسالك التعليم الثانوي، وتمديد مدة إنجازه إلى أسبوعين متواصلين، وهو ما يخلف الكثير من الإرهاق والضغط النفسي على المكلفين بتنفيذ الامتحان داخل المؤسسات.

لكن بالمقابل وبجهود الخيريين من شرفاء نساء ورجال التعليم مازال أبناء وبنات المغرب من خريجي المدرسة العمومية يبهرون القاصي والداني بما يحققونه من نتائج جيدة في المسابقات والمنتديات الدولية، والتي كان آخرها مسابقات أولمبياد الرياضيات الإفريقية. ولذلك فإن التعليم بالمغرب مازال بخير إذا سلم من السياسات المرتجلة والمخططات المستعجلة والمتدخلين الجهلة.