التحولات العالمية وأثرها على المنطقة العربية والإسلامية في ظل معركة طوفان الأقصى.. بودكاست غني مع الدكتور بويبري

Cover Image for التحولات العالمية وأثرها على المنطقة العربية والإسلامية في ظل معركة طوفان الأقصى.. بودكاست غني مع الدكتور بويبري
نشر بتاريخ

في حلقة غنية بالأفكار والمعطيات، استضاف الدكتور فؤاد هراجة، كاتب وباحث في الفلسفة والأخلاق والفكر المعاصر، الدكتور رشدي بويبري، باحث في التواصل وتحليل الخطاب تخصص الدراسات السياسية والاجتماعية، في الحلقة الثانية من برنامج بودكاست الذي أطلقته قناة الشاهد الإلكترونية، لمناقشة موضوع: التحولات العالمية وأثرها على المنطقة العربية والإسلامية في ظل معركة طوفان الأقصى من خلال زوايا متعددة.

افتتح المقدم حلقته بربط التحولات السياسية التي عاشها العالم في القرن الماضي بالحروب التي عرفها على امتداده، حيث عرف العالم تحولا كبيرا بعد الحرب العالمية الأولى فشهد سقوط أكبر إمبراطورية التي هي الدولة العثمانية، ثم بعد الحرب العالمية الثانية عرف العالم ظهور نظام عالمي جديد بقطبيه الغربي والشرقي، وبعد حرب أفغانستان تم ظهور تحول جديد بعدما سقط الاتحاد السوفياتي وانهار معه المعسكر الشرقي ثم سقط جدار برلين لنجد أنفسنا أمام نظام عالمي أحادي القطبية. ليطرح السؤال: اليوم نعيش حربا جديدة “معركة طوفان الأقصى” فهل يا ترى ستكون هذه الحرب كسابقاتها منعطفا جديدا في عالم جديد ونظام جديد؟

الدكتور بويبري في جوابه على السؤال نبه أولا إلى كون التحول واللااستقرار سمة للحياة البشرية الفردية والجماعية، فالتاريخ البشري لم يعرف في مرحلة منه استقرارا، قد تكون هناك فترات شهدت فيها المجتمعات البشرية هدوءا واستقرارا، يوضح المتحدث ويضيف؛ وقد تكون هناك تحولات هادئة، لكن الغالب أن التحولات تكون ناتجة عن تنافس وصراع يفرز وضعيات جديدة تستقر لمدة ثم يحصل بعدها تحول آخر. ومن المعلوم أن العالم يتشكل حسب موازين القوى وحسب المصالح، للإديولوجية دور لكن للمصلحة تأثير أكبر، فمنذ القرن 19 شهد العالم تحولات كبرى وضخمة كانت كلفتها البشرية كبيرة مثل ما حدث في أوربا خلال النصف الأول من القرن 20، وقليل منه حصل في أوربا أواخر القرن 19، وأيضا إفريقيا وآسيا.. تختلف هذه التحولات في صورها وأشكالها، يسترسل بويبري؛ لكن الجوهر الناظم لهذا التحول هو مبدأ اللااستقرار والتحول والصراع الذي ينتج دائما وضعيات جديدة ناتجة عن وضعيات استنفدت أغراضها في مرحلة ما، مثلا في التاريخ المعاصر منذ بداية القرن 20 إلى الآن سنجد بصمات واضحة على اللااستقرار؛ الحرب العالمية الأولى كانت ناتجة عن وضع جيوسياسي دولي وأفرزت وضعا جيوسياسيا دوليا جديدا، لم يستمر إلا 20 سنة أو أقل فأفرز صراعا جديدا وتحولا جديدا سينتهي بُعده المادي العنيف بعد 5 سنوات أو 6، لكنه سيفرز وضعية جديدة اتسمت أيضا بعدم الاستقرار لوجود قطبين هيمنا على الوضع الدولي؛ هم القطب الغربي الليبرالي والقطب الاشتراكي الشيوعي، ثم بعد انهيار هذا الأخير أواخر الثمانينيات من القرن 20 أفرزت وضعية جديدة هي وضعية العولمة وما ترتب عليها من محاولة القطب الغربي السيطرة على العالم وفرضها الذاتي عليه نتيجة وجود فراغ، ثم في الألفية الثالثة بدأ الوضع العالمي يتزحزح نتيجة بروز قوى جديدة تريد أن تجد لها موقعا في الوضع السياسي العالمي مثل الصين والهند والبريكس وغيرها، فإذن اللااستقرار سمة دائمة في التاريخ، يؤكد بويبري.

وفي ارتباط هذه التحولات بالاقتصاد، أفصح عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان أنه منذ العصر الصناعي أصبح للاقتصاد دور مهم جدا في هذه التحولات، أصبح قاطرة القرار، فالرأسمالية حين تأسست جعلت كل الأبعاد الأخرى للنشاط الإنساني خادمة للبعد الاقتصادي؛ فمثلا التطور العلمي الذي حصل تم تمويله وإسناده من قبل الرأسمال، فلولاه لما تطور بهذه السرعة الهائلة، التكنولوجيا أيضا، لولا الاستثمار في مجال التكنولوجيات وإدماجها في السيرورة الاقتصادية للدول المهيمنة؛ أمريكا واليابان والآن الصين، لما تطورت، لأن التكنولوجيا تحتاج إلى تدفق الرأسمال ومواكبته للتطور، وقس على ذلك التطور العلمي في مجالات الطب، والأدب؛ فهذه الفورة التي حصلت في القرن 20 جاءت لأن هناك مجال تم تصريف الأدب فيه هو السينما والإعلام، ولكن هذا الإعلام لو لم يجد الرأسمال الذي يسنده ويولده ويواكبه لما كان فضاء لتطوير الإنجاز الأدبي…

المتحدثان بعد نقاش طويل في هذا المحور استحضر معطيات وحقائق كثيرة، نبها إلى أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد ذلك الاقتصاد القوي الذي بإمكانه أن يهيمن ويسيطر على الأدوات الناعمة، التي هي المؤسسات الدولية، بل أصبح هو أيضا في حاجة ماسة لمن يرفعه، فالصين اليوم التي هي المنافس الكبير، تمتلك حصة كبرى من الديون الأمريكية ووصل الآن إلى المستندات الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية.. ليخلصا إلى أن كل هذا يجعل النظام العالمي مهددا، لأن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تؤدي فيه دورا كبيرا، وكانت هي عصبه، أصبحت هي أيضا مهددة. ومن إفرازات هذا التهديد الصراع الأوكراني الروسي، لإدراك روسيا أن هذا النظام فيه ثغرات يجب استغلالها لأجل التمدد، وأوكرانيا تعتبر البداية والدول الأخرى تعرف هذا الأمر وتحضر نفسها لذلك.. وجزم الدكتور بويبري أن أمريكا ستنهار غدا أو بعد غد، وفق مسار تاريخي طبيعي، إذ هناك أعمار للدول والحضارات، لكن إيقاعها وصورها تحكمه عوامل معقدة.

وعن موقع الدول العربية في ظل الصراع القائم قال عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان: هناك فراغ وانشغال القوى بمصالحها وبذاتها وبمشاكلها، فالملعب الذي تمارس فيه هذه الدول الاستكبار وتستنزفه منشغلة، فيفترض أن ينهض العالم العربي ويستغل الفرصة، لكن هذه الدول المستكبرة توقعت هذا الأمر منذ القديم، وعملت على سياسة إلهاء وإضعاف وتفكيك هذه الدول، فالنظام العربي القائم، نظام سايس بيكو، نظام تشكل بدون إرادته، الدول المعاصرة الوطنية العربية ليست دولا تولدت نتيجة سيرورة تلقائية وذاتية، بل هي دول صُنعت صناعة، جاءت اتفاقية سايس بيكو وقسمت الدول العربية، ليس فقط على المستوى الجغرافي أو الجيوسياسي إنما صُنعت نخبها، مثلا البحرين إلى حدود 1973 كان يسيرها الإنجليزي “بيل غريف” الذي كان مستشار أمير البحرين. وهذا ينسحب على جميع الدول العربية، فالأنظمة العربية كلها، سواء كانت جمهورية أو ملكية أو عشائرية أو عسكراتية، تجد فيها بصمات الاستكبار الغربي حاضرة بقوة؛ صنعت النخب، لأنه سهل أن تصنع نخبة. ومثل بويبري لذلك بالمغرب متسائلا: ما هو دور ثانوية ديكارت؟ وما هو دور مدارس البعثات؟ وما هو دور البعثات التي كانت تذهب لأوروبا؟ ليجيب: صناعة النخب التي ستحكم، وبالتالي هذه النخب بأي منطق ستحكم؟ لمصلحة من ستحكم؟ بمن ستربط الاقتصاد؟ بمن ستربط الخيارات الثقافية والإديولوجية للدولة؟ بمن ستربط سيرورة القيم داخل المجتمع؟ طبعا ستربطها بالذي رباها والذي شكلها. يشدد المتحدث.

واسترسل في هذا المحور يعرض حقائق تزكي ما ذهب إليه، ويشدد أن الأنظمة ليس لها ركائز من الشرعية تضمن لها الانغراس في الواقع الاجتماعي والسياسي والشعبي، وهي مرهونة بشكل كامل في سيادتها وفي قراراتها وفي اختياراتها للقوى الخارجية، مرهونة اقتصاديا لصندوق النقد الدولي وللمقرضين، مرهونة في سياستها الخارجية لمحاور، مرهونة في اختياراتها الاجتماعية: التعليم والثقافة وغيرها للمسيطر والمهيمن.. فإذا من الذي يبقيها في سدة الحكم؟ من الذي يعطيها جرعات الاستمرارية؟ يتساءل، ويجيب: هما أمران؛ الأول: الضعف الكبير في النخبة التي يمكن أن تزحزح هذه الأنظمة، لأن السيرورة تأتي دائما من تولي نخبة مكان أخرى سابقة، وهذا قد استثمر فيه؛ جزء منه تحول تاريخي وجزء استثمار لهذه الأنظمة ولسادتها. والعنصر الثاني هو الدعم الخارجي، فهذه التحولات التي تحدث في العالم ستقلص من حجم الدعم الخارجي، والتحولات التي تحدث داخل المجتمعات من خلال بروز نخب جديدة وأنماط من نخب غير التقليدية ستدفع في الاتجاه الثاني الذي هو تداول النخبة وتداول الحكم، وهذه حتمية تاريخية.

البودكاست تناول أيضا محورا يخص الحركة الإسلامية، تقييما وتقويما، ومدى صوابية القول بأنها فشلت في التغيير، للجواب على السؤال مثل الدكتور بويبري بذاك الذي يحمل الأثقال، إن أعطينا كتلة تزن 100 كلغ لرجل يزن 120 كلغ وفشل في حملها، ثم أعطيناها لطفل ذي 15 سنة ففشل أيضا، أيهما نعتبره الفاشل حقا؟ ليظهر أن المقارنة بين الحركة الإسلامية والأنظمة التي حكمت، هي مقارنة متعسفة ووراءها نية غير سليمة، وذلك لأن الحركة الإسلامية لم تمتلك الدولة ولا في قطر عربي واحد، فرغم أن بعض الحركات دخلت جبة الأنظمة إلا أنها لم تتملك زمام الدولة، واستدرك بويبري بإعلان تحفظه أن تمتلك الحركة الإسلامية حاليا زمام الدولة، فحسب اعتقاده لا يجب أن تكون في الحكم، ولا يجب أن تكون طالبة للحكم، معتبرا أن الحركة الإسلامية مشروع تغييري كلي داخل المجتمع، والحكم واجهة من واجهاته، أداة من أدواته.

وأبان الباحث في الشأن السياسي والاجتماعي أن حجم الدولة خلال التاريخ كان قليلا، ففي أنماط الدول القديمة؛ الدولة ببنيتها الإدارية والبيروقراطية، بأدواتها التحكمية والتسلطية، بعلاقتها بالمجتمع، لم تكن تمتلك ما تمتلكه الآن، نحن نتحدث عن دولة “سبرمان” -يردف المتكلم- تمتلك كل شيء وتفعل كل شيء، وخاصة في الدول المتخلفة؛ تقوم حتى بعمل جمعيات الأحياء.. فنحن نتكلم عن دولة متضخمة. ثم عاد ليتساءل مستنكرا: أين وظيفة المجتمع؟ كيف يمكن أن تكون الدولة عادلة وفيها توازن للسلطة وهي تهيمن على كل شيء؟ بينما خلال التاريخ كان هناك نوع من التوازن بين الدولة والمجتمع؛ أولا الدولة كانت لا تصل إلى كل المجتمع، إلى كل جغرافيته، في المغرب كان معروفا مصطلحي “بلاد السيبة” و”بلاد المخزن” ولكنها الآن تصل إلى كل غرفة في البيت.. وهذا ليس وضعا سليما، يؤكد المتحدث.

المتحدث تطرق لقضايا أخرى بنفس العمق والتحليل، نورد الشريط كاملا لمن أراد الاستزادة والاستفادة: