التربية والحركة والعلم.. مقومات الحياة الجامعية

Cover Image for التربية والحركة والعلم.. مقومات الحياة الجامعية
نشر بتاريخ

مقدمة

الساحة الجامعية هي فضاء واسع، صاخب، عالم مليء بالإغراء والسحر، مليء بالصراعات الفكرية والسياسية، وحتى الجسدية أحيانا. يقف الطالب المسلم أمام بوابة الجامعة مدهوشا مصدوما فتحيطه تلك الهالة الكثيفة من الصراع والإغراء، وتقابله عاصفة هوجاء بها مسحة من الحيرة والتيه، فيتساءل في اضطراب “كيف أكتمل راشدا في ظروف سفيهة؟”.

سؤال وجودي لابد منه ابتداء لكل طالب مسلم، ويجب عليه كي يكوّن شخصية رزينة متوازنة ضمن كل هذه التجاذبات أن يمتلك نظرة شاملة ومسبقة عن الحياة الجامعية بكل تفاصيلها ويدرك مدى خطورة وحساسية الساحة في ممارسة الإغراء الفكري والسياسي وحتى العقدي، والذي قد يؤدي بالطالب لا قدر الله إلى الانحراف في السلوك والقيم والحياد عن هدفه الأهم وهو التحصيل الدراسي والتكوين العلمي والأكاديمي، ولا بد أن يضع نصب عينيه سؤال الوجهة والمصير لأنه على ضوء هذا السؤال يمكنه على الأقل أن يحدد موطئ قدمه داخل ضوضاء العالم الجامعي. وهنا يشرع لنا التساؤل عن الركائز التي تنبني عليها الشخصية المتوازنة للطالب المسلم؟

الشخصية التربوية

أول هذه الأسس هو امتلاك شخصية تربوية، لابد من تربية تؤطر حياة الطالب المسلم، لا بد له من علاقة فريدة خالصة تجمعه بربه، في إطار الحقوق والواجبات والعبادات والمعاملات؛ أن يتحرى الصلوات الخمس في المسجد ومع الجماعة وأن يكون له حظه من القرآن والذكر والصيام والدعاء والتبتل والصلاة على رسول الله، فهو بصلته الوثيقة مع ربه، يكوّن مخزونا إيمانيا ونفسيا كبيرا يشعره بالقوة والطمأنينة ويثبته في المواقف الصعبة، ويجعله مقتحما لكل الصعاب والظروف قادرا على قول كلمة الحق، لا يخاف في الله لومة لائم. تربية تؤسس لعلاقة سماوية مع الله، فيكون الله الغاية الأسمى في حياة الطالب.

الشخصية الحركية

يعمل الطالب إذن على صقل روحه، وشحذ همته، وتقوية إيمانه، مما يربطه مباشرة بالأساس الثاني وهو الحركة والفعل داخل الساحة، وتتضمن الحركة خدمة الطلبة والسهر على تلبية حاجياتهم وتزويدهم بكل المعلومات المطلوبة فيما يخص مصيرهم الدراسي والوقوف بجانبهم في حال المحن والنضال من أجل حقوقهم المسلوبة وكرامتهم الضائعة، وسيكون من الإجحاف حصر الحركة فقط في شقها النقابي، بل يجب أن تتعدى ذلك إلى ما هو ثقافي وفكري وترفيهي، قصد تنوير عقل الطالب بالإيمان ومنحه الترياق لمحاربة سموم الإلحاد والترف الفكري المادي الذي يعتبر الإنسان مجرد بهيمة تحيى في طلب اللذة ورفض الألم.

الشخصية العلمية

يتوجب على الطالب المسلم أن يكون مجتهدا في التحصيل العلمي، والتكوين الدراسي، وأن يحرص على تلقي العلوم اللازمة التي تنفع الأمة في الحاضر والمستقبل، متميزا في تخصصه الذي اختاره ومبدعا فيه، أن يساهم بأفكاره واكتشافاته واختراعاته في تطوير عملية البحث العلمي ووضع بصمته فيه، يجب أن يكون نموذجا دراسيا يقتدى به في أدائه لفريضة طلب العلم.

خاتمة

ثلاث ركائز لا غنى للطالب المسلم عنها، تجعله متوازنا في دنياه وتعطي لعيشه معنى وتعدّه لمجابهة الواقع بعد الحياة الجامعية بشخصية منيعة، وفائزا في أخراه مع الله تعالى بما أخلص من عمل في الدنيا، لا يمكن أن يستغني عن أحد من هذه الأسس الثلاثة، لا يمكن أن تكون حياته الجامعية كلها حركة ونضالا دنيويا يفتقد المسحة الإيمانية ونكهة التفوق الدراسي، ولا يمكنه أن يفضل الانزواء في غرفته بعيدا عن مخالطة الطلبة وعيش همومهم، ولا يمكنه أن يكون فقط مجرد آلة تتلقى المعلومة من أجل أن تستعملها عند الحاجة.

تربية، وحركة، وعلم. ثم زحف بإذن الله.