شهدنا مؤخرا تسابق الأنظمة العربية للتطبيع الرسمي مع الكيان الصهيوني، وقد كان المغرب رابع دولة عربية تعلن ذلك.
فبرزت أصوات تبرر لنا هذه الخيانة، بل وتعلن في الآن نفسه استمرار دعمها للقضية الفلسطينية، لا أدري أهي خفة في عقولهم أم هي محاولة للاستخفاف بعقولنا؟
الكيان الصهيوني كيان مغتصب لأرضنا المقدسة، ومقاومته بكل الوسائل واجب شرعا، وموالاته منهي عنها، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: “إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم” (1).
لكن مقاومته تحتاج رجولة، ومن صفات الرجولة: الصدق، والشجاعة، والثبات، واليقين في موعود الله عز وجل، أما التطبيع مع الصهاينة فليس إلا جبنا وضعفا وعجزا واستسلاما وانهزامية، رغم التبريرات المقدمة لإضفاء الشرعية على هذا الاختيار وهذا الموقف.
فالذهنية التبريرية تتميز بأنها:
* جبانة: لا تقوى على المواجهة ولا تستطيع اقتحام الصعاب، فتعمد إلى الاستسلام لكن دون أن تعترف بذلك، فتلجأ إلى تبرير موقفها.
* ضعيفة: ضعف إيماني واضح “نؤمن ببعض ونكفر ببعض” (2)، فدعمنا للقضية الفلسطينية نابع من إيمان لا ينفصل عن الإيمان الكلي، إذ هي قضية مقدسة استمدت قداستها من الكتاب والسنة النبوية أولا، فيقيننا بموعود الله عز وجل بالنصر والتحرير كرأي العين لا ننكره ولا نشك فيه، أما ثانيا فالمسجد الأقصى هو أولى القبلتين و ثالث الحرمين.
* سلبية وعاجزة: بدل أن تكون فاعلة باقتراح حلول لصد العدوان على الفلسطينيين، ها هي تقف عاجزة وتتنصل من مسؤوليتها اتجاه القضية الفلسطينية. “والعقلية السلبية التبريرية لا تستطيع أن تقترح علاجا ولا أن تصف داء” (3).
* ترضى بأنصاف الحلول: “معرفة أعدائنا لا يجب أن تحيد بنا عن القصد، وترجع بنا إلى العقلية التبريرية الضعيفة التي تزين لنا أنصاف الحلول” (4).
* شاهدة بالزور: حيث تقلب الحقيقة وتزور الواقع، “إن الفهم الحرفي والفهم التبريري سيان في قلب الحقائق” (5).
أما من وجهة نظر علم النفس فيقول الدكتور طارق الحبيب: التبرير “يعني تفسير الفرد للمواقف الخاطئة تفسيراً مقبولاً وإعطاء النتائج السلبية أسبابا منطقية، والفرد في حالة ممارسته للتبرير يحاول أن يهرب من مواجهة الواقع ويتجنب القلق الذي قد يشكل له عاملا مهددا في حياته وعلاقاته مع الآخرين، كما أنه يمارس الدفاع عن النفس لمحاولة إرضائها والمحافظة على احترامها ومكانتها في حسه وحس الآخرين. والتبرير حيلة نفسية دفاعية لا شعورية ولكنها عقلية، ومن خلاله يبرر الإنسان لنفسه ولمن حوله بأنه لم يقترف ما يلزم حدوث الخطأ أو وقوع الأزمة وأن هناك عوامل خارجية تسببت في حدوث تراجعه أو مشاكل حياته….
إن التبرير هو حالة من العجز يعيشها الفرد ويحاول التستر خلفها حتى لا ينكشف ضعفه المتأصل في ذاته القلقة… إن التبرير عملية تتم من خلال تشويه وتزييف الواقع لتصبح الحقائق مغيبة وتائهة” (6).
إننا، ونحن نعيش مرحلة دقيقة في حياة الأمة الإسلامية، يجب أن نعي ما يحاك لنا سرا وعلانية من أجل الحؤول بيننا وبين ثوابتنا ومقدساتنا، بل وهويتنا، ونصطف رجالا ونساء لنشكل قوة مانعة من تسرب هذه الذهنية إلينا وإلى أبناء أمتنا وخاصة إلى الأجيال القادمة، حيث يناط بنا إحياء معاني الرجولة فيها، فهي مهددة بهذا الخطر من جوانب عدة؛ الإعلام والمناهج الدراسية والتعليمية والفن والرياضة والأدب…
ويبقى التطبيع خيانة.
1- سورة الممتحنة، الآية 9.
2- سورة النساء، الآية 150.
3- عبد السلام ياسين، الإسلام بين الدعوة والدولة، ص 5.
4- المصدر نفسه، ص127.
5- عبد السلام ياسين، العدل، ص 126.
6- التبرير.. رؤية نفسية، مقال للدكتور طارق الحبيب، جريدة الشرق. انظر: /m.al-sharq.com