التطبيع ومسؤولية العلماء

Cover Image for التطبيع ومسؤولية العلماء
نشر بتاريخ

بقلم: لحسن الكنتاوي

بعد الهجوم الكاسح الذي شنه المطبّعون على قيم الأمة وثوابتها بفتح الأبواب للعدو الصهيوني الغاضب والتوقيع معه على صكوك الخزي والخذلان، ها هي ثماره الفاسدة تنمو في شجرتها الخبيثة وتمتد لتشمل عديد المجالات والشؤون؛ فلم يقتصر الوضع على التطبيع السياسي والاقتصادي والعسكري، بل تجاوزه ليشمل مجالات أعم مثل التعليم، بل وصل حتى دين الأمة.

ونظرا لخطورة هذا الأمر على حاضر الأمة ومستقبلها ومستقبل أجيالها، لابد من مواجهته والتصدي له بشتى الوسائل المشروعة والمتاحة. وإنه لمما يحز في النفس ويضيق به الصدر أن يصمت من ائتمنتهم الأمة على دينها عن قول كلمة الحق في موضوع كهذا، ناهيك أن يصطفوا مع جوقة المطبّلين والمطبّعين مع كيان محتل غادر لا يرقب في مومن إلا ولا ذمّة.

وقد حدث هذا في جل البلدان التي وقّعت على اتفاق التطبيع مع دولة الاحتلال؛ حيث يتم تنظيم زيارات الوفد الصهيوني إلى بعض المساجد كما حدث في الإمارات مثلا، أو إجراء لقاءات مع شخصيات أو مؤسسات دينية كما حدث في المغرب مع الرابطة المحمدية للعلماء.

إن العلماء والمؤسسات المنوط بها حفظ دين الأمة يجب أن تكون في طليعة المتصدّين للمخططات الجهنمية للاحتلال الصهيوني الاختراقي، لا أن تضفي عليه طابع السماحة وتحتفي به. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 1.

دولة الاحتلال قتلت وشرّدت الآلاف -وماتزال- من إخوتنا المسلمين في بيت المقدس، وعاثت في الأرض فسادا وإفسادا، وامتدت أياديها إلى حرق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه، فأينكم يا علماء الأمة من هذا؟ أتراكم نسيتم مجازر هذا الكيان ضد أطفال غزة وأهلها بل ضد كل الفلسطينيين؟ أم إنكم تجهلون حكم الشرع في موالاة الظالمين؟

إن جرائم الاحتلال ماتزال مستمرة، وكل خطوة في اتجاه موالاته والتطبيع معه تشجعه على التمادي في اقترافها واسترخاص دماء الأبرياء، فضلا عن كونها مشاركة له في جرائمه ضد الشعوب المستضعفة.

يحرص الصهاينة حرصا شديدا على اختراق المؤسسات الدينية في كل دولة حلُّوا بها، لأنهم يعلمون ما لهذه المؤسسات من أهمية ودور سياسيا واجتماعيا وتربويا. وإنها لأمانة جسيمة ومسؤولية عظيمة في أعناق علماء الأمة جميعا، بصرف النظر عن مواقعهم والوظيفة التي يشغلونها، في تحصين المؤسسات الدينية والتربوية وتعقيمها بما يحفظ فطرة الأجيال وضمان عدم طمس هويتها الإسلامية الأصيلة. فلا بد لعلماء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها أن يفضحوا هذه المخططات ويبينوا خطورتها ويفضحوا زيفها.

وختاما يرحم الله أئمة الهدى والرشاد الذين لا يقبلون الضيم ولا يخافون في الله لومة لائم، وهم وبحمد الله موجودون في كل زمان ومكان، فهذا الإمام أحمد بن حنبل دعي إلى القول في فتنة بغير ما أنزل الله فوقف وقفة عصم الله بها الأمة، فخُلِّد ذكره في الصالحين .

فقال عنه ابن خزيمة: “رحم الله أحمد بن حنبل، عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه، عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها”. وقال بشر الحافي: “قام أحمد مقام الأنبياء، وأحمد عندنا امتحن بالسراء والضراء؛ فكان فيهما معتصمًا بالله”.

وما أشبه اليوم بالبارحة.

 


[1] سورة الممتحنة، الآية 9.