تقديم
ما إن تُشرف العطلة الصيفية على الاقتراب حتى ينتاب كثيرا من التلاميذ شعورٌ بالنفور من الدراسة وميلٌ للإخلاد إلى الراحة، فيُغادر العديدُ منهم مقاعد الدرس قبل مَتم العام الدراسي، ويتكرس الأمر عاما بعد عام فينشأ جوٌ تعليمي يَنتظرُ فيه التلاميذ العطل بشغف.
فراغ وشغل
ليس عبثا أن يُخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كثيرا من الناس يُخدعون في نعمة الفراغ ولا يعرفون قيمتها إلا بعد فقدها وزوالها، فعلى سبيل المثال وارتباطا بالشأن الدراسي، كثير من التلاميذ لا يستغلون أيام الدراسة للاستعداد للامتحان المحلي والجهوي والوطني تلخيصا للدروس وحسن مراجعة لها، ولا يقومون بذلك إلا قبل حلول موعده بأيام وعند أحسنهم حالا قبله بشهر، كما لا يستغلون العطل البينية والصيفية، فراغ (عطل) يمُرَُ يعقبه شُغلٌ (دراسة) دون استغلال، تتبخر المعارف وتتلاشى إلا ما علق في الذهن، ويبدأ العدَاد دورته من الصفر.
فلا غرو إن كان يُغبن كثيرٌ من الناس في الفراغ أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الشباب والفراغ، ففي الحديث الذي رواه ابن عباس الشاب (رضي الله عنهما) بقوله: “اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحَتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك”.
لأن مرحلة الشباب ـ ربيع العمر- عموما وفترة التلمذة خصوصا تُعتبر نعمة تستوجب شكر الله عليها باللسان والقلب والعمل، وتُشكل فرصة ثمينة لا تدوم، ولا تُعوَض إن ضاعت ولم تُنتهز، وتأمل معي أخي التلميذ قول الشاعر:وأيام الحداثة فاغتنمها ** ألا إن الحداثة لا تدومفكيف تقضي أخي التلميذ عطلتك الصيفية؟ بم تملأ فراغك/الوعاء الزمني فيها؟ إليك معالم عامة لا تغنيك ولا تفيدك إن لم تترجمها إلى برنامج عملي محدَد الأعمال مبرمج الأوقات واضح الأهداف.
إن لربك عليك حقا
1- أكون خائنا أمانة النصح إن جعلت غير حق الله أولوية الأولويات، اجعل أوَل ما تحرص عليه الفرائض، ففي الحديث القدسي: “وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه…”، فالصيف عند الكثير وقتُ لهو ولعب تضيع فيه الفرائض خاصة فريضة الصلاة، فإن لم تُوطَن فيه نفسك على لزومها فذاك مقدمة الفشل وعنوانه، احرص أخي التلميذ على:
2- أداء الصلاة في وقتها وفي المسجد ما أمكن، فهي عماد الدين ومن ضيعها فهو لما سواها أضيعُ.
3- صوم شهر رمضان ـ الذي تزامن مع العطلة الصيفية ـ إيمانا واحتسابا، فتنسُب فضل اجتهادك في القيام وتلاوة القرآن وحفظه وصلة الرحم وفعل الخير… إلى ربك فهو الموفَقُ لك واحذر أن تمُنَ عليه بذلك، حتى يكتب لك القبول والتوفيق للاستمرار بعد رمضان.
حيّن معارفك الدراسية
من لم يُربَّ ويتربَّ على الانتظام في الدراسة في مساره الدراسي يصعُبُ عليه اغتنام فراغ العطلة الصيفية في تعزيز معارفه وتطوير مداركه، قلةٌ قليلةٌ أو آحادُ التلاميذ من يحافظ على وصلته بالكتب المدرسية، والغالبية تهجرها هجرا وتودعها على أمل اللقاء بها في العام الدراسي المُقبل، وما أعسر الوصال بعد الفصال.
إن اللبيب من التلاميذ من ينتظم في دراسته طيلة العام الدراسي ويغتنم العطلة الصيفية لتحيين معارفه وترسيخها والاطلاع على ما يستقبلُ دراسته، فالاستعداد للعام الدراسي المقبل بنفس متوثبة وهمة عالية وعزيمة ماضية وعقل مُتوقد يُؤهلُ التلاميذ للرقي صُعُدًا في المسار الدراسي بتفوق وامتياز. يقول الشاعر ناصحا لك نُصح مُجرب:داوم على الدرس لا تفارقه ** فالعلم بالدرس قام وارتفعا
نَمِّ مهاراتك
تتاح لك أخي التلميذ في العطلة الصيفية الفرصة لتنمية مهاراتك التي تتعلمها داخل العام الدراسي وذلك:
1- بتنمية مهارتك القرائية بوضع برنامج قرائي لما تُريد قراءته حسب ميلك ورغبتك، فذلك مما يُثري رصيدك المعرفي ويُكسبك زادا لغويا وأسلوبيا أنت في أمس الحاجة إليه في مسيرتك الدراسية والحياتية معا.
2- بالتدرب على الكتابة ككتابة مقالة وقصة ورواية وخاطرة وكتلخيص الكتب…حسب ميلك وقدرتك، ففي ذلك فوائد عظيمة.
3- تطوير مهارة الإنصات بالاستماع للأخبار ومتابعة البرامج الحوارية الفكرية والعلمية والأدبية…
4- تنمية مهارة الحديث من خلال التواصل مع الأصدقاء وإلقاء عروض في جمعيات واستثمار منتديات النقاش الهادفة عبر الأنترنيت…
5- التكوين في مجال المعلوميات واللغة العربية واللغات الأجنبية.
روِّح عن نفسك
لا تنس أخي التلميذ أن تأخذ حق نفسك من الفسحة المشروعة والترويح المباح، فتستمتع بحر الشمس وتفيء إلى ظل الله، فالظلَُ والحرُورُ نعمتان من الله على عباده شُكرُه عليهما يكون بطاعته وعدم معصيته، فأنت ترى وتسمع في كل سنة يجتهد مفسدو الأخلاق قاتلو المروءات في نداء الإغراء وصوت الإغواء (مهرجانات وسهرات وحفلات) تهييجا للعواطف واستثارة للغرائز، إفساد وفساد ينبغي أن تربأ بنفسك عن الوقوع في حمأته والانخداع بأضوائه وأصواته وبهرجته، فلا تسمح بمسخ شخصيتك الإيمانية وإفساد أخلاقك وقتل مروءتك، فذاك رأسمالك حالا واستقبالا.
مفتاح الأمر كله
بعد الحديث عن كيفية اغتنام العطلة الصيفية بأداء حق الله قياما بالفرائض وحق العقل تحصيلا للعلم وصقلا للمهارات، وحق النفس ترويحا عنها، أدلك على مفتاح الأمر كله وأضع أصبعك على سر النجاح وهو الصحبة الحسنة المتعلمة المتطلعة لخدمة الأمة تُكثَرُ الأقوياء الأمناء، الأتقياء الأكفاء، فهي خير معين وأفضلُ سند، تعينك إذا استقمت وتُذكَرُك إذا انحرفت، وفيها الغناء والكفاء، فكن كما قال الشاعر: ولي في طلاب العلم والفضل والتقى ** غنى عن غناء الغانيات وعرفهاعُضَ أخي التلميذ بالنواجذ على الأخيار وجانب الأشرار، فالطَباعُ تسرق من الطباع والصحبة تُعدي بالخير إن كانت خيَرة وبالشر إن كانت شريرة.عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه ** فإن القـرين بالـمقارن يـقـتـدي
فإن كـان ذا شـر فجـانبه سـرعـة ** وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي
وختاما
أخي التلميذ، بشَرك الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم بفضل عظيم وهو أن يُظلَك الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، إن كنت شابا نشأ في عبادة الله وتحابَ في الله مع شباب اجتمع معهم في الله وتفرق على الله طاعة له وتحصيلا للعلم النافع. انتظام إيماني ودراسي لو ظفرت به في شبابك عاد عليك نفعا وحقق لك نجاحا وسعادة في الدنيا وفلاحا في الآخرة. نجاح وفلاح، ليكن هذا شعارك وحادي سعيك ومنتهى أملك.