الجار قبل الدار شرعٌ لا شعار
فاخْتَر لها من لا يُغير ولا يَغار 1
واخترهُ مأمونَ البوائق 2 طيبا
إنْ رُمتَ عونا منهُ أعطى أو أعار
أو كنت ذا كربٍ أتاك مواسيا
ومُسليا يُنسيك أتعابَ النهار
ويكون ردءا ناصرا أو ناصحا
يُهديك عيبا أو يُجنِّبُك العثار 3
إن كنت في سفر تركتَ خليفة
في الأهل والأبناء أفضلَ مستشار
أو كنتَ ذا عوزٍ فَأقْرَبُ مُسْنِدٍ
يُجديك بالإحسانِ من دون افتخار
أو ضِقتَ ذرعا بالصُروفِ 4 فمؤنسٌ
يأسو جراحك أو يُبادِئُكَ الحِوار
إنْ غِبتَ عن فرضٍ تَفقَّدَ سائلا
أو صرت ذا مرض دعا لكَ باضطرار
يلقاكَ مُبتسما يُبادِلُكَ السلا
مَ دليلَ وُدٍ واحترامٍ واعتبار
وإذا أصابكَ منهُ سوءٌ أو أذى
جَبَرَ انزعاجَكَ بانكسار واعتذار
*
الجارُ قبل الدار معيارٌ سليم
إن كُنتَ ذا فهم ولودٍ لا عقيم
والدَّارُ جِسْمُكَ فاحذرِ الجارَ الوَخيم 5
ذَاكَ الذي مَلْئَ الحَشَى فِينَا يُقيم
الجار نَفْسُك لو فطِنتَ لِمَكْرِها
لعلِمتَ أن النَّفسَ شرٌ مستديم
فحملتها قهرا على تركِ الهوى
حتى تؤوب إلى الصواب وتستقيم
والجار بعد النفس شيطانٌ رجيم
ذاك القرين حليفُها الخَبُّ اللئيم
كيدٌ ضعيف واللعوبُ له حليف
فإذا زكت مَكْرُ الموسْوِسِ لا يدوم
تخويفُه تحزينُهُ فَخٌّ كمين
تزيينُهُ الأعمالَ خُبثٌ من ظلوم
الجار بيتُ الله في عرفِ الحكيم
جار لضيف إن أتى بيتَ الكريم
خمسا وقاه الله منْ كَدرِ الهموم
فأذانُهُ أنسٌ وسلوى للسقيم
وصلاتنا في غيره فعلٌ ملوم
إن كنت جار البيت فزت بما تروم
من كان ذا نفعٍ عميم للعموم
فهوَ الرحيمُ بَلِ الأحبَّ إلى الرحيم
*
منْ جاور الأخيار صاحبهُ الرَّشَد
وجوار شر الخلقِ يُفضي للنَّكد
الجارُ مؤتمنٌ وبيتك بيتُه
نِعمَ المقرَّب والمراقبُ والسَّنَد
وإذا ابتُليت فسائلٌ مُتواصل
يُسليك أو يُنسيك أوهاق الكمد 6
وإذا مرِضت فعائدٌ متودِّدٌ
آسٍ مُواسٍ مُؤنِسٌ عضد مدد
أو كنتَ ذا دينٍ تفضَّل عنْ رِضا
بأدائهِ هيهاتَ يبخلُ إن وجد
ينسى الإساءةَ والجميل يرده
يعفو ويصفحُ دونَ كبرٍ أو قَوَد 7
وإذا أعانك في الخطوبِ مؤازرا
لم ينتظر منك المقابلَ بعدَ غَد
السرَّ يكتُمُه ويُفشي سِرَّهُ
لك آمنا مِنْ أن يُسرَّ إلى أحد
يأتيك في الأفراح صاحبَ خدمة
فكأنما عقدَ القِرانَ على الولد
يأسَى لحُزنك في المآثم مِثلمَا
أمسى المُصابُ مُصابَهُ هُوَ مَنْ فقد
*
أمَّا الذي تَخشى غوائلَهُ فَدَعْ
عنكَ التماسَ جواره مهما طمع
إحسانُهُ مَنٌّ ومنطِقُه أذى
وإذا تأذَّى منكَ أوجَعَ أو فَجَع
إلا جِوارَ الخبِّ يُبدي وُدَّهُ
ويُجيدُ إخفاءَ الضَّغينةِ والخُدَع
العَيْنُ لمَّتُها سهامُ مُصَوِّبٍ
والأذنُ تستَرِقُ البذيء بلا وَرَع
إنٍ غِبتَ غابَ فلا حُضورَ لِوَصلِه
جارٌ ويجهَلُ من تغيَّبَ أو رجَع
الحزنُ حُزنكَ لا تَسَلْ عن حُزنه
وإذا فرحتَ فقد يُجَنُّ من الجَزع
لا ترجُ منْ جارٍ بخيلٍ بسمةً
أو كِلمة أو بَتلةً 8 تُنسي الوَجع
منْ جيرةِ السُوءِ احْترِزْ لا تَقترب
أقوالُهُم نُكُرٌ ومَذهبهم بِدَع
رمضانهم تُخَمٌ وصومُ مُعذَّبٍ
نقضوا عُرى رَحمٍ تُقاضِي منْ قطع
لمْ يُثنِهِم عيدٌ عن النَّجوى بما
يخزي ولا صقلت معادِنَهُم جُمَع
*
الجارُ قبلَ الدارِ ما راعى الحُرَم
وحمَى حماكَ وما جفاك ولا غَشم
الصوتُ مَهمُوسُ الحروفِ بلا صَدى
فإذا تَلا مُتهجِّدا أحْيَى الرِّمَم
نورٌ على نورٍ وصُحبةُ مهتدٍ
جارٌ يَقيكَ مِنَ المهالِك والنِّقم
صلوا على بدرِ السما، كنزِ الثَّرى
صلوا على خير الورى هادي الأُمم
ما حَنَّ شوقا للمَقام ومنْ سرى
ليلا إلى الأقصى وعرَّجَ للقِمم
بِبُراقِ سبق لم يَزل مُتسَنِّما 9
قُنَنَ العُلا فَهْوَ المٌقدم والعَمم 10
الرُسلُ صار إمامهم وأمينهم
والخلق بات شفيعَهُم عندَ الحَكم
ياربَنَا عجِّل بإسراءٍ لنا
للمسجد الأقصى لنَسْجُدَ في الحرم
واكتب لنا من حوضِ أحمدَ شَربةً
وبِفضلِه عيشَ المؤبَّد في النِّعم
في رُفقةِ الرُّسلِ الكرامِ وصَحبهم
مع منْ برؤيةِ ربِّهم فازوا ولم
يرْضَو سوى بالمصطفى جارا لهم
ومُجِيرهم من خُلد نارٍ في سَدَم 11
ذ. منير ركراكي
17 رمضان 1445 هـ، موافق 28 مارس 2024
[2] البوائق: الغشم والظلم.
[3] العثار: العثرات ومواطن الفتن والهلاك.
[4] الصروف: المصائب والنوائب.
[5] الوخيم: رجل وخيم ثقيل.
[6] كمدَ الرجلُ: حَزِنَ حزنا شديدا وكتم حزنه في قلبه.
[7] القود: الانتقام والأخذ بالثأر.
[8] البتلة: الصدقة الخالصة لوجه الله.
[9] المتسنم: الصاعد المرتقي.
[10] العمم: عم الناس خيره.
[11] السدم: الحزن والندم، حزن على ما فاتهم وندم على تفريطهم.