“الجبهة” تكشف في ندوة صحافية حصيلة سنتين لمناهضة التطبيع.. وتؤكد تفاقم التغلغل الصهيوني في المغرب

Cover Image for “الجبهة” تكشف في ندوة صحافية حصيلة سنتين لمناهضة التطبيع.. وتؤكد تفاقم التغلغل الصهيوني في المغرب
نشر بتاريخ

سلطت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع أضواءها في ندوة صحافية اليوم 16 دجنبر 2025 بالرباط، على التطورات الخطيرة لتغلغل مسار التطبيع في الساحة المغربية خلال الفترة الممتدة من أواخر 2023 إلى أواخر 2025 في مظاهره المتعددة، من العسكري والاقتصادي إلى الأكاديمي والتربوي… بالتوازي مع رصد تصاعد وتيرة القمع والتضييق الذي يواجه مناهضي التطبيع.

الندوة الصحافية التي تأتي بمناسبة مرور خمس سنوات على توقيع اتفاقية التطبيع المشؤومة مع الكيان الصهيوني؛ كان في منصتها للتسيير وتقديم التقرير الصحافي والتفاعل مع أسئلة الصحافة كل من السادة أعضاء السكريتارية الوطنية للجبهة، الدكتور بوبكر الونخاري والأستاذ معاذ الجحري، والأستاذ إسماعيل الغزاوي.

موانئ المغرب في خدمة آلة الحرب الصهيونية

وكشف الأستاذ الجحري في التقرير الصحافي للندوة أن موانئ المغرب تورطت في أخطر مظاهر التطبيع، وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط وميناء الدار البيضاء، وسهلت بذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية من خلال استقبال وخدمة سفن الشحن المحملة بالعتاد العسكري الموجه نحو الكيان الصهيوني، هذا التورط يشمل السماح بمرور سفن حربية صهيونية وتزويدها بالوقود، وتحويل مسار سفن عملاق الشحن الدانماركي “ميرسك” (MAERSK) التي كانت متجهة إلى إسبانيا، لتستقر في الموانئ المغربية بعد منعها في أوروبا.

وأكدت الجبهة توثيق هذه العمليات بشكل دقيق، حيث كشفت التقارير عن تفاصيل شحن أكثر من 2000 شحنة عسكرية قادمة من الولايات المتحدة، بوزن يفوق 23 ألف طن، تضمنت هياكل ومحركات وأجزاء متخصصة لناقلات الجنود المدرعة والمركبات التكتيكية. وفي الفترة ما بين 8 نونبر 2024 و3 دجنبر 2025، تم توثيق إجمالي 325 حاوية، 307 منها في ميناء طنجة المتوسط وحده، تحتوي على معدات عسكرية مصنفة “مبيعات عسكرية أجنبية”، ومركبات عسكرية، ودبابات، ومنصات إطلاق قذائف، موجهة إلى  ميناءي حيفا وأسدود  المحتلتين.

وأشاد الجحري بانتفاض الشارع المغربي عبر مظاهرات حاشدة في الدار البيضاء وطنجة، رفضًا لرسو هذه السفن وخدمتها مما أدى إلى تعطيل إحدى السفن لمدة 40 ساعة وسجلت موجة استقالات بين عمال ميناء طنجة المتوسط. ورغم تقديم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لتبليغات رسمية إلى رئاسة النيابة العامة بوقوع جرائم في الموانئ، قوبلت هذه الشكاوى بالصمت التام من قبل السلطات المعنية، التي لجأت بدلاً من ذلك إلى قمع المتظاهرين السلميين وشيطنتهم.

تصاعد القمع والتضييق على مناهضي التطبيع

وجاء في الندوة على لسان الجحري، أن مناضلي الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تعرضوا لشتى أنواع التضييق والقمع، شملت المنع الممنهج للتظاهرات السلمية، والاعتداء الجسدي، وصولاً إلى الاعتقالات والمتابعات القضائية ذات الخلفية السياسية. وقد تم منع ما يزيد عن 33 تظاهرة خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2023 إلى أكتوبر 2025، مع تسجيل حالات قمع صارخة في مدن مثل أكادير وسيدي سليمان والرباط.

وشملت قائمة المتابعات القضائية البارزة 13 مناضلاً من الجبهة، حوكموا بتهمة “التظاهر غير المرخص له” إثر وقفة احتجاجية أمام متجر كارفور بسلا في نونبر 2023 . كما  سجلت أحكام بالسجن النافذ وغرامات مالية بحق مناضلين آخرين إضافة إلى استمرار الاعتقال السياسي للمناضلين رضوان القسطيط ومحمد البوستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع.

وأكدت مجريات المحاكمة، يضيف الجحري، أن المتابعة ذات خلفية سياسية، حيث أشار الدفاع إلى خروقات إجرائية وقانونية، منها عدم توصل أغلب المتابعين بالاستدعاءات، ووجود تناقضات في محاضر التحقيق. كما دحض الدفاع التهم الموجهة، مؤكدًا أن الوقفة الاحتجاجية لا تندرج ضمن “المظاهرات” التي تتطلب ترخيصًا بموجب القانون المغربي، مستندًا إلى أحكام سابقة لمحكمة النقض. وقد أشار ممثل النيابة العامة إلى أن سبب المتابعة هو تسليم رسالة إلى مسؤولي متجر كارفور، مما اعتبرته هيئات حقوقية دليلاً على أنها محاكمة للرأي المعبر عنه.

التعاون العسكري والأمني.. الكيان  ثالث مورد للسلاح إلى المغرب

وأشار الجحري إلى أن النظام المغربي عزز تعاونه العسكري بشكل كبير مع الكيان الصهيوني الذي أصبح ثالث أكبر مورد للأسلحة إلى المغرب بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وهو وضع  استثنائي في المنطقة عبر صفقات واتفاقيات متنوعة، ما يعكس حسب قراءة الجبهة تحولا استراتيجيا في العلاقات الأمنية بين الطرفين.

وتابع موضحا أن عام 2025 شهد وحده إبرام عدة صفقات عسكرية ضخمة، منها صفقة بقيمة تتراوح بين 150 و200 مليون يورو للحصول على 36 منظومة مدفعية ذاتية الدفع من طراز “ATMOS 2000” من شركة “إلبيت سيستمز” (Elbit Systems) الإسرائيلية. كما تم إبرام صفقة أخرى للحصول على أبراج مدرعة قتالية مسلحة، بالإضافة إلى مفاوضات لشراء ما بين 200 و300 مسيرة انتحارية من طرازي “Harpy” و “Harop” بقيمة تقارب 120 مليون دولار.

أما التصنيع والتكنولوجيا  فقد تجاوز  فيه التعاون مجرد الشراء ليشمل التصنيع المحلي ونقل التكنولوجيا، حيث افتتحت شركة “BlueBird Aero Systems” التابعة لمجموعة “IAI” الإسرائيلية مصنعًا لإنتاج المسيرات الانتحارية “SpyX” في بنسليمان في نونبر 2025 . ويشمل هذا المشروع تدريب المهندسين المغاربة على التصنيع المحلي، مما يرسخ الشراكة العسكرية والأمنية على المدى الطويل.

ملف المناضل الأممي سيون أسيدون..  مطالبة بالكشف عن الحقيقة

أكدت الجبهة في ندوتها أن المناضل الفقيد سيون أسيدون، الذي كان عضوا في السكرتارية الوطنية للجبهة ومنسق حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في المغرب، تعرض لحادث غامض أدى إلى وفاته بعد فترة في العناية المركزة، وقالت إن أسيدون “كان شخصية أممية بارزة في مناهضة التطبيع ودعم القضية الفلسطينية”.

ففي غشت 2025، عثر على أسيدون ملقى على كرسي في بيته فاقدًا للوعي، وعليه آثار إصابات غير طبيعية على رأسه وكتفه، مما استدعى نقله إلى المستشفى وإجراء عملية جراحية دقيقة في الدماغ. ورغم الغموض الذي اكتنف الحادث، طالبت السكرتارية الوطنية للجبهة السلطات الصحية والقضائية بتنوير الرأي العام وإدخال الطب الشرعي في مجريات التحقيق لتحديد مصدر الإصابات.

وكان الموقف الرسمي للجبهة اعتبر أن البلاغين الصادرين عن الوكيل العام حول مجريات التحقيق “يلفهما الغموض”، وأن اللجوء إلى الطب الشرعي تم فقط لتحديد سبب الوفاة بعد قرابة ثلاثة أشهر من الحادث. وبناءً عليه، أكدت الجبهة أن ملف الرفيق سيون أسيدون “سيبقى مفتوحًا حتى يتم الكشف عن الحقيقة”، مشددة على ضرورة تحقيق العدالة والشفافية في هذه القضية التي تمس أحد أبرز رموز النضال ضد التطبيع .

حصيلة نضالية مشرفة..  سنتان من الدعم الشعبي لـ “طوفان الأقصى”

وقدمت الجبهة حصيلة نضالية “مشرفة” خلال السنتين الممتدتين من 7 أكتوبر 2023 إلى 7 أكتوبر 2025، مؤكدة أن القضية الفلسطينية هي قضية وطنية، وقد تجاوب الشعب المغربي بشكل واسع مع دعوات الجبهة، مما عكس الالتزام الشعبي بدعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته.

وعلى الصعيد الميداني، نظمت الجبهة 11 مسيرة وطنية شعبية كبرى، و17 يومًا وطنيًا احتجاجيًا تضامنيًا، وأكثر من 210 مسيرة محلية، و700 وقفة محلية، بالإضافة إلى 33 ندوة أو مهرجانًا و90 فعالية أو مبادرة أخرى، وقال الجحري إن هذه الأرقام تعكس الحجم الهائل للحركة الاحتجاجية الشعبية التي قادتها الجبهة في مختلف المدن المغربية.

وعلى مستوى البناء التنظيمي، نجحت الجبهة في توسيع صفوفها وتأسيس 32 فرعًا محليًا جديدًا. كما تمكنت من تأسيس مجموعات مهنية مثل “مغربيات ضد التطبيع”، و”جامعيون ضد التطبيع”، و”مهندسون ضد التطبيع”، بهدف توسيع قاعدة العمل النضالي وتعميق تأثيره في مختلف القطاعات المجتمعية.

التطبيع التربوي والأكاديمي..  استهداف الوعي والهوية

وشمل تقرير الجبهة التطبيع في قطاعي التعليم والبحث العلمي، مستهدفًا بذلك الوعي الوطني والهوية، وذلك عبر محاولات للتأثير على المناهج والأنشطة الأكاديمية. وقد تجلى ذلك في مؤسسات تعليمية وجامعات مغربية، مما يثير مخاوف بشأن اختراق المجال التربوي والأكاديمي.

ووقفت التقرير الصحافي مع تغيير امتحان موحد في المديرية الإقليمية للتعليم الفداء مرس السلطان بالدار البيضاء، بحجة أن النص المقترح “تطرق إلى مجال السياسة وله حساسية وطنية”، غير أنالنص المحذوف يتناول معاناة لاجئ فلسطيني وحقه في العودة، وهو ما اعتبرته الجبهة “تطبيعًا تربويًا” وخرقًا سافرًا للقوانين، خاصة وأن حق العودة مكفول بقرارات أممية .

وعلى الصعيد الأكاديمي، فتحت جامعة محمد الخامس بالرباط أبوابها لمشاركة باحثين من جامعات صهيونية في المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا في يوليوز 2025. ورغم الحملة القوية التي قادتها الجبهة ضد هذه المشاركة، والتي توجت بقرار الجمعية الدولية للسوسيولوجيا بتجميد عضوية الجمعية الصهيونية لعلم الاجتماع، إلا أن محاولات التطبيع استمرت، حيث فتحت كليات أخرى المجال للبحث في “الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات المغربية الإسرائيلية” بهدف تمتينها .

مظاهر التطبيع الاقتصادي والثقافي الأخرى

فصلت الجبهة وعددت مظاهر التطبيع الاقتصادي خلال الفترة المشمولة بالتقرير، وشملت مشاركة الكيان الصهيوني في معرض “أليوتيس” للصيد البحري بأكادير في فبراير 2025، ومشاركة وزيرة المواصلات الإسرائيلية في “المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة على الطرق” بمراكش. كما نظمت دورة تكوينية لعدد من المقاولات الناشئة والباحثين المغاربة في إسرائيل. وفي نونبر 2025، استؤنفت الرحلات الجوية بين المغرب والكيان الصهيوني بعد توقف دام أكثر من سنتين.

أما على المستوى الثقافي والسياسي، فقد سجل التقرير انخراط حزب الحركة الشعبية في أنشطة تستهدف “صهينة عقول المغاربة”، عبر تنظيم ندوة قام فيها جاكي كدوش بممارسة “طقوس معينة” لا علاقة لها بتقاليد المغاربة اليهود، فضلاً عن دعمه لجرائم الكيان الصهيوني، مع الإشارة إلى زيارة عدد من “المتصهينين المغاربة” إلى الكيان الصهيوني في مارس 2025، حيث أدلوا بتصريحات مؤيدة للإرهاب الصهيوني ومقرة بحق الاحتلال في أرض فلسطين.

رسائل  وآفاق

وأكدت الجبهة في ختام ندوتها تصميمها على مواصلة النضال على كافة الواجهات من أجل إسقاط التطبيع، وتحميل النظام المغربي مسؤولية تماديه في التحالف مع الكيان الصهيوني. وشددت على موقفها المبدئي بالاصطفاف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة.

كما أكدت أن مبادراتها لدعم المقاطعة بكافة أشكالها ستستمر كما أنها ستواصل تأسيس مجموعات مهنية وقطاعية جديدة، وقالت إن مجلسها الوطني السادس سينعقدفي موعدهعام 2026 .

ولفتت الجبهة في نهاية الندوة إلى أن التطبيع لا يتنكر فقط لأكثر من 77 سنة من تضحيات وصمود الفلسطيني الشقيق ويضرب كفاحه في مقتل، وإنما هو “تهديد خطير لبلادنا وسيادتها الوطنية ولمقومات هوية شعبنا ولمصالحه الاستراتيجية”.