تتجدد غزوة بدر الكبرى كل 17 من رمضان ليتجدد معها الأمل في مستقبل عزة الإسلام، والأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون لمن يبشر بغد الإسلام الآت بإذن الله تعالى. فبدر الكبرى ليست حدثا عابرا ووقائع تاريخية نتغنى بها ذكرا للأمجاد، بل إنها معان وروح متقدة تعتمل في نفوس رجال عاملين لنصر دين الله.
فما هي أهم خلاصات هذا الحدث الفرقان بين الظلم والطغيان والعدل والإحسان؟
أولا: حاجة الأمة لخطاب تربوي وسياسي مبشر. وهذا ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في اللحظات العصيبة وظروف الضيق والعسر التي عاشوها زمن بدر، وكان عليه أفضل الصلاة والسلام يبشرهم بالنصر المبين.
ثانيا: حاجة الأمة لقيادة ربانية حكيمة ورشيدة، تعلم وتربي وتواسي وتنزل الميدان تحتضن وترص الصفوف وتشحذ الهمم والعزائم وتبني الرجال وتصنع النصر والتاريخ.
ثالثا: التحولات التاريخية الكبرى والانعطافات الحاسمة تكون بدايتها ديناميات صغرى، فلا نستصغر أعمالا قد تبدو صغيرة الحجم والوزن السياسي والمجتمعي، فهي منطلق التغيير، ولنا في بدر عبرة ودروس. فها هم جند الله خرجوا لاعتراض قافلة أبي سفيان في مطلب حقوقي لاسترجاع أموال وتجارة منهوبة، وأراد الله لهم ذات الشوكة، ليتحول المطلب الحقوقي لسقف سياسي سدته المواجهة الشاملة التي انتهت بالفرقان المبين، وبناء نظام سياسي أخلاقي أضحى ملاذا دوليا للقبائل والشعوب المجاورة.
رابعا: غرور سلطوية قريش وعلوها وعنادها وتجبرها وتوكلها على قوتها وعتادها. فرغم سلامة قافلة أبي سفيان ورغم مراسلته كبار قريش بالعودة عن الخروج، إلا أنهم أصروا على النزول لبدر نكاية في المسلمين واغترارا بميزان قوتهم.
خامسا: ميزان القوى تاريخيا وفي كل المعارك الاستراتيجية لم يكن قط مسنودا بالمعايير المادية وتكافؤ الأعداد والعتاد، بل ظل العامل المعنوي وتوزين العامل الذاتي هو الحاسم في التحولات الجيوستراتيجية الكبرى.
سادسا: لابد من استحضار العامل الإقليمي والدولي أو ما يسمى “الجيوبولتيك” في معادلة التغيير، بطمأنة الجوار والتحالف مع الأخيار ( راسل النبي صلى الله عليه وسلم الرؤساء والملوك، وتواصل مع القبائل المجاورة وتحالف مع بعضها) لتحصين مكاسب الزحف والتغيير، فكم من ديناميات أحدثت تحولات سرعان ما عاشت ارتدادات بسبب التدخلات الإقليمية والدولية. وما تجربة ما بعد ربيع 2011 عنا ببعيدة.
سابعا: محورية العامل الاقتصادي والتنموي في كل حركة مجتمعية تروم التغيير، فالاقتصاد عصب الجهاد بكل أبوابه ومعانيه، ولا نجاح للتحول الديمقراطي دون نماذج تنموية ناجحة تؤكد شرعية الإنجاز.
ثامنا: تؤكد هذه المحطة أيضا على أهمية الإعلام والمعلومة، ودورهما الاستراتيجي في صناعة الرأي العام والتأثير على المحيط والجوار وفي صناعة القرار الاستراتيجي الحاسم.
تاسعا: قد نسمي هذه المعركة بلغة اليوم “حرب الماء”، هذه المادة الحيوية لعبت دورا مهما في بدر، بدءا باستيلاء الصحابة على مواطن الآبار ومرورا بنزول المطر مطهرا ومثبتا للأقدام، وانتهاء بتعطيش القوم وإنهاكهم بسلاح الماء، وهو سلاح استراتيجي اليوم وغدا في تأمين الغذاء وبناء اقتصاد مستدام.
عاشرا: وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فسنة الله أن ينصر رسله وجنده وعباده الصالحين، متى أخذوا بالأسباب واستفرغوا الجهد وتسلحوا بالإيمان، ومن سننه عز وجل أن ينزل النصر بعد استيئاس وقنوط وتكذيب وإحباط وطول انتظار، حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.