الدعوة إلى الله: حب واقتداء

Cover Image for الدعوة إلى الله: حب واقتداء
نشر بتاريخ

قال الله عزوجل: قل هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِيۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِين[سورة يوسف/ الآية108].

استهلت الآية الكريمة بأمر الله عز وجل لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام، أن يخبر الناس بسبيله “قل هذه سبيلي” أي هذا سبيله ومنهجه وسنّته صلّى الله عليه وسلم، فهي دعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واتباع على بصيرة وبينة.

فالدعوة إلى الله فرض وواجب على كل من آمن برسوله صلى الله عليه وسلم واتبع منهاجه وسنّته. والغاية منها هو تحقيق معرفة الله سبحانه ومحبته، وهذا لن يتحقق إلا بالدعوة إلى منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، لقوله عز وجل: وَلْتَكُنْ مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ لْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[آل عمران: 104] فالدعوة على منهاج رسول الله، على بصيرة وعلى علم وبرهان وبينة، هي تلك المحجّة الواضحة البيضاء.

دعوة، تقتضي علما نافعا، وبصيرة تتفتق بأنوار القرآن الكريم حفظا لآيه، وتدبرا لمعانيه، وتفقها في الشرع الحنيف؛ والوقوف على الحلال والحرام اتقاء للشبهات، ودرءا للمحرمات، وقبل ذلك كله هي تقوى القلب يتمثلها الداعي تربية، ظاهرا وباطنا، خفية وعلانية، ومتى تحقق ذلك في من تصدوا لدعوة الله، تحقق فيهم قوله عزوجل: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر[العصر/3]

دعوة، تقتضي الرحمة، قال الله عزوجل: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ[الأنبياء/11] فهو صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ[آل عمران/159] رحمة منبعها ومستقرها قلب تجلت فيه معاني الصفاء والنقاء، يشع بالحب على خلق الله، والمحب لمن يحب نصوح. باللين تارة وبالتحذير من العذاب تارة أخرى؛ اقتداء بهديه صلى الله عليه وسلم، واقتفاء لأثره، وهديا على نهجه، ومحبة لجنابه الشريف الهين اللين، الرؤوم، الرفيق للناس بالحب، والمخالط لهم باللطف، والداعي لهم بالرفق، مؤسس العمران الأخوي، ومشيد الصرح الإنساني في هذا الكون.

دعوة تقتضي جهدا ومجاهدة، جهادا ومثابرة، جهاد بالكلمة، وجهاد بالموقف، وجهاد بالنفس، وجهاد بالعلم وجهاد بالمال، وجهاد وبالوقت. تنصر الحق وتناصره، وتقف بجانب المظلوم وتقف في وجه الظالم، تتأسس على الصدق وتقوم بالصادقين. تنمو بالحب وتسري بمحبته صلى الله عليه وسلم أولا ولآل بيته الطيبين الأشراف، وللصحب الكرام، وللتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، في أوساط الأمة بالمودة والرحمة والإخاء، بالصبر والمصابرة، بالذلة لا الهوان، بالحال قبل المقال، بالسلم والسلام والأمن والإيمان. بالنفع والانتفاع لكافة العباد.

دعوة لم يخالف فيها قول أصحابها فعلهم، ولا فعلهم أقوالهم، إن خالطوا الناس كانوا أكثرهم لهم نفعا، وإن خالطوهم، خالطوهم بخلق حسن، وإن قالوا لهم قولا كان قولا حسنا، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت/33].

فرُب نسمة محبة ورفق وبسمة خلّفت بصمة. فسيلة دُعيت إلى الله بالمحبة والرحمة والحكمة خلفت شجرة مباركة تدعو بين الناس توقد الأفئدة من الغفلة إلى صحوة الإسلام.