الدعوة إلى الله لكل المواسم

Cover Image for الدعوة إلى الله لكل المواسم
نشر بتاريخ

مقدمة

اقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، ومن ذلك تعاقب فصول السنة وتعاقب الأيام والليالي، وقد تميز فصل الصيف، هذا الفصل المحبوب، بمجموعة خصائص جعلته بيئة خصبة للدعوة، ففيه زيادة فراغ وفضول وقت، بسبب العطل المدرسية والجامعية، مما يجعله فرصة ذهبية لأنشطة دعوية صيفية مبتكرة، كذلك تكثر فيه التجمعات سواء العائلية أو في الأماكن العامة أو أثناء السفر، بالإضافة إلى كثرة الأنشطة الخارجية الترفيهية كالمخيمات والرحلات التي تعد فرصة للدعوة غير المباشرة، واستثمار الإجازات في طاعة الله.

لماذا هي لكل المواسم؟

الحياة رحلة طويلة تتقلب فيها الأحوال، وتتبدل الفصول، وتتغير فيها المشاعر، لكن في خضم هذا التغير تظل الدعوة إلى الله تلك الشمس الساطعة التي لا تغيب، والنور الذي لا ينطفئ، والمعين العذب الذي لا ينضب. هي ربيع يبعث على الأمل، ويوقظ الإرادة، ويرفع الهمم. تصلح لكل زمان ومكان، وتخاطب القلوب في كل مرحلة من مراحل العمر والزمن.

نتساءل هنا لماذا الدعوة إلى الله لكل المواسم؟ لأنها شمولية تخاطب الفطرة الإنسانية في أعماقها، هي مرنة لأنها تتكيف مع حاجات النفوس البشرية في كل طور، صادقة حقة لا تخدع بوعود زائفة، بل ترسم طريقا واضحا للحق والخير، رحيمة، تعفو عن الزلل وتفتح أبواب الأمل على مصراعيها، خالدة لأن مصدرها أبدي سرمدي لا يبلى ولا يتغير.

فكل وقت هو وقت الله، وكل حال هو ميدان لرضاه، فلنكن كالنخلة التي تثمر في الصيف، وتعطي في الخريف، وتصمد في الشتاء، وتزهر أيام الربيع.

 أفكار دعوية لفصل الصيف

إن أمر الدعوة إلى الله هو فرض عين على كل مسلم في كل وقت وحين، واجب لا يقتصر على زمان أو مكان معين، لذا وجب على كل منا أداء واجبه تجاه دعوته متى سنحت الفرصة لذلك، فلا عطلة في الدعوة، إنما هي استراحة محارب، بل في هذا الفصل هي أشد وأوكد لما نراه من انفلات وتبرج واختلاط غير منضبط، وتضييع للأوقات بالسهر والسمر المبالغ فيهما، وبعض المظاهر الغير المقبولة، بل هناك معتقد شائع بأن الصيف يشهد زيادة في المعاصي بسبب كثرة الفراغ والخروج والتنزه…

جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده: “… المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر”، وفي حديث رواه الإمام مسلم: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، والهرج هو اختلاط الأمور وكثرة الفتن.

– على صعيد الأسرة والعائلة:

 لتحقيق الترابط الأسري والعائلي وجب تنظيم دروس منتظمة لتعليم أمور الدين، بالإضافة إلى تنظيم رحلات استكشافية في الطبيعة مع جلسات للتأمل في خلق الله، أو نزهات هادفة تدمج الترفيه الممتع مع التربية الإيمانية ومع الدعوة وفق برنامج منوع يساهم في إعداده كل أفراد الأسرة أو العائلة ليلبي كل الاحتياجات والرغبات وحسب كل الأعمار.

كذلك الاهتمام بالأبناء، والحرص على غرس القيم النبيلة في نفوسهم الغضة الطرية، وتربيتهم تربية إسلامية حقة، وحثهم على المحافظة على الصلاة وعلى الأذكار، واتباع أسلوب الحوار معهم، وحسن الإنصات، خاصة مع الشباب منهم، وإيلائهم عناية خاصة، كما يجب ربطهم بكتاب الله بوضع برنامج تحفيظ للقرآن الكريم، والاستعانة بتفسير ميسر لتحبيبه لقلوبهم، وربطهم بسنة نبيهم، واطلاعهم على سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم، كذلك وجب تشجيعهم على حب القراءة والمطالعة خارج مقرراتهم الدراسية لتنمية حب القراءة والاطلاع لديهم وتوسيع المدارك، وقصد المراكز الصيفية والمخيمات التي تقدم برامج تعليمية وتربوية هادفة ومتنوعة.

كما يمكن إشراكهم في دورات تطويرية في “فن التعامل مع الوالدين”، و”إدارة الوقت في الإجازة”، و”تنمية المهارات الشخصية”…

كذلك يمكن إشراك الأبناء في الأنشطة والأعمال المنزلية لغرس المسؤولية وروح الفريق، ومبدأ التعاون، والمشاركة في أعمال الخير لتعزيز روح العطاء والبذل والسخاء.

يمكن أيضا تنظيم حملات نظافة للشواطئ والمنتزهات والفضاءات المفتوحة تحت شعار “النظافة من الإيمان”، للتوعية بوجوب المحافظة على نعمة الطبيعة التي سخرها الله للعباد.

– الدعوة المجتمعية:

إن للدعوة في الصيف نكهة خاصة، يلزمها لمسات إبداعية سريعة للوصول إلى القلوب، ولتحقيقها هذه بعض المقترحات:

– استغلال الأماكن العامة والمنتزهات والمصايف بذكاء، مثل تقديم المياه الباردة للمارة أو بعض التجمعات مع بطاقة دعوية أو بعض الهدايا الرمزية؛ كسبحة إلكترونية أو كتيب هادف، أو كلمة طيبة وتبسم وإلقاء تحية…

– تقديم بدائل ترفيهية ممتعة وهادفة في نفس الآن، أو بعض أعمال الخير الملموسة كمدخل لطيف للدعوة.

– يمكن أيضا استغلال التكنولوجيا لنشر المحتوى الدعوي الجذاب؛ كإعداد سلاسل تعليمية من سير الصحابة والصحابيات، أو بودكاست لمواضيع دعوية، أو طرق مبتكرة إبداعية ومؤثرة لملء الفراغ بما ينفع الناس دنيا وآخرة.

– الاستفادة من التجمعات الترفيهية كالرحلات والأنشطة العائلية والمناسبات كالأعراس، فالناس في الصيف أكثر استرخاء وانفتاحا، أو ترتيب سفر جماعي للترويح عن النفس، أو تظاهرات رياضية كتحدي المشي السريع مثلا… فهذه كلها فرص للدعوة بلطف، وبشكل غير مباشر عبر المشاركة في أعمال الخير ومساعدة الغير فـ“الخلق عيال الله وأحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله” و“خير الناس أنفعهم للناس”، ونشر قيم الخير وأخلاقيات الإسلام الرفيعة.

– استغلال رحلات العمرة كفرصة دعوية وتكوين علاقات وصداقات مثمرة.

– المشاركة في الأنشطة المجتمعية التي تشرف على تنظيمها بعض المساجد والمراكز الإسلامية.

– دوريات أسبوعية لتعزيز التواصل الاجتماعي والدعوي.

– الاستفادة من الوسائل الرقمية وتوظيفها لنشر الخير، كنشر المحتوى الهادف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واختيار أنسب الأوقات حين فراغ الناس، كما يمكن تنظيم دروس أو بثها مباشرة؛ تناقش مواضيع تتناسب وظروف الصيف، كأجر الصيام في أيام الحر، وآداب السفر وغيرها…

ما يجب مراعاته

الدعوة إلى الله في الصيف هي كغيرها من الأوقات تتطلب الحكمة ومراعاة الظروف والخصوصيات، ومن أهم ما يجب مراعاته؛ ظروف الناس، فالصيف يصاحبه حر وسفر وعطل، وعليه وجب اختيار أوقات مناسبة للدعوة كفترات المساء أو الأجواء المغلقة المكيفة، وتجنب أوقات الذروة واشتداد الحر، وتجنب مقاطعة الناس في أوقات راحتهم أو سفرهم إلا برغبتهم، فهكذا علمنا القرآن، احترام خصوصيات المرء، وآداب الزيارة، وعدم التطفل على الغير بدون إذن أو سابق موعد.

القدوة الحسنة: والدعوة بالحال قبل المقال، أو ما يسمى بـ”الدعوة الصامتة”، وذلك بإظهار أخلاق الإسلام كالصبر والحلم، والإحسان للجار، وتحري الصدق في التجارة والمعاملات، ومساعدة المحتاجين…

التيسير والرحمة: وخاصة في العبادات والرخص الربانية للتخفيف على العباد (كالقصر والجمع في السفر ورخص الصيام للمرضى…)، وتذكر أنك تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة فيجب تجنب الجدال العقيم والتشدد.

تقديم النصح بطريقة هينة لينة مهذبة: قال تعالى: ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، (النحل: 125)، فالدعوة فن يتطلب الحكمة والتلطف، ولا تجدي نفعا مع الإلحاح والإحراج، وكن كالماء البارد الزلال الذي يروي الظمأ في حر الصيف.

الخاتمة

الدعوة إلى الله يجب أن تكون منهج حياة يتطلب الاستمرارية والتجديد والتنويع في الأساليب، ففي هذا الموسم تصبح الدعوة عونا على الثبات وسندا في الملمات، ويجب اعتبار الصيف بمثابة فرصة لتجديد النشاط، وغرس القيم، وتعزيز الروابط الأسرية والعائلية والمجتمعية، ودفع الإنسان إلى مراجعة مساره وتقدير نعم ربه، والإفادة مما جمع من علم وعمل. ودعوتك لا تؤجلها لموسم آخر، ولا تظنها تخص غيرك، هي ربيع يجدد، وصيف يثبت، وخريف يثمر، وشتاء يدفئ، أجب نداء الدعوة تسعد في كل الفصول، ويشرق في قلبك نور لا يطفأ أبدا. جعل الله صيفنا وصيفكم مليئا بالخيرات والبركات والعمل الصالح ونفعا للأمة.