نشرت يومية المساء ضمن ملفها الأسبوعي بتاريخ 14 أكتوبر 2016، حوارا معمقا مع الدكتور محمد باسك منار، الباحث في المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات وأستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، حول مستجدات ونتائج انتخابات 7 أكتوبر. هذا نصه:
ما تقييمكم دكتور منار لنتائج انتخابات 7 أكتوبر؟
يبدو من خلال تتبعي أن ما كان مرسوما لانتخابات 7 أكتوبر سيناريوهين وليس سيناريوا واحدا. وأظن أن السيناريو الأول، والذي كان هو المرغوب فيه أكثر من قبل بعض الجهات، هو عدم حيازة العدالة والتنمية على المرتبة الأولى، لكن تحقيق هذا السيناريو كان مربوطا فقط بما يمكن أن نسميه تدخلا ناعما ضد العدالة والتنمية، وليس بتدخل فج وتزوير مفضوح، لأن القصر لا يرغب في تشويه السمعة التي يروجها لنفسه أمام المجتمع الدولي. وقد رأينا مجموعة من أساليب التضييق التي تمت في إطار ذلك التدخل الناعم ضد العدالة والتنمية، سواء في فترة الترشيح بالضغط على مرشحين وتنظيم مسيرة الدار البيضاء، أو في فترة الحملة الانتخابية بمنع بعض تجمعات العدالة والتنمية أو تغيير أماكنها، أو حتى في يوم الاقتراع من خلال بعض الممارسات والتضييقات التي تعرض لها بعض مراقبي العدالة والتنمية، لكن يبدو أن هذه الأساليب وغيرها لم تُجد، بل بعض الأساليب انقلب تأثيرها ليصبح لصالح العدالة والتنمية، وليس ضده، مما جعل تلك الجهات تقبل بالسيناريو الثاني الذي هو فوز العدالة والتنمية، وقد أسهم في ذلك الخرجات الإعلامية للسيد بنكيران ويقظة مناضلي العدالة والتنمية والخطوات الاستباقية التي قام بها الحزب في مواجهة مناورات وزارة الداخلية، بحيث أصبحت هذه الأخيرة في كثير من الأحيان في موقف الرد وليس في موقف المبادرة، كما ساهم فيها أيضا تحول نسبي في سلوك الناخبين، بحيث أصبح عدد من الناخبين يتمثل مقولة “مالهم حلال علينا والتصويت عليهم حرام علينا”، مما أضعف الأحزاب التي تعتمد على المال في منافستها للعدالة والتنمية. لا يعني هذا أن الداخلية فقدت السيطرة على العملية الانتخابية كما ذهب إلى ذلك بعض المحللين، ولكن يعني فقط اضطرارها الانتقال من السيناريو أ إلى السيناريو ب الذي كان هو الآخر محددا بعناية منذ البداية، والذي ظهر لمهندسي الانتخابات أنه هو الأقل خسارة من تحقيق السيناريو الأول عن طريق تزوير مفضوح يكون له أثر جد سيء على المستوى الدولي، وربما يُعطي شحنة قوية ومصداقية كبيرة للهيئات السياسية التي تدعو إلى المقاطعة. فوزارة الداخلية في حقيقة الأمر لم يكن يحكمها فقط هاجس من يفوز في الانتخابات، ولكن أيضا هاجس ما هو السيناريو الأفضل في مواجهة المقاطعين، خاصة بعد أن تبين لها ضعف المشاركة.
وبالعودة إلى النتائج المعلنة يظهر أن أول رابح من هذه الانتخابات هو حزب الأصالة والمعاصرة، فقد انتقل من 47 مقعدا في انتخابات 2011 إلى 102 مقعدا في انتخابات 2016، في حين أن حزب العدالة والتنمية الحاصل على المرتبة الأولى لم يتزايد إلا بـ18 مقعدا، فذلك الحزب أي الأصالة والمعاصرة، بعد أن كان مطالبا بالرحيل من قبل حركة 20 فبراير ومطعونا في شرعيته من قبل العدالة والتنمية، وبعد أن كان متهما بممارسة التحكم، يحصل على كل تلك المقاعد في ظل سكوت مطبق للعدالة والتنمية بعد إعلان النتائج، مما يفسح المجال لتطبيع سياسي واسع معه، بحيث أن فوزه في الانتخابات المقبلة يصبح ربما حتى من قبل العدالة والتنمية نفسه أمرا طبيعيا. وهناك مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية التي ساهمت في فوز العدالة والتنمية منها وكما سبقت الإشارة اليقظة التي عبر عنها الحزب في مختلف مراحل العملية الانتخابية، وحفاظه على كتلة ناخبة منضبطة كان لها تأثير إيجابي في ظل ضعف المشاركة، والمرجعية الإسلامية وخطاب المظلومية، وشبكة العلاقات والارتباطات التي وفرتها التجربة الحكومية، وكرستها الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، ومن أهم العوامل أيضا البقاء في حدود استعمال أساليب التدخل الناعم وليس التدخل الفج ضد العدالة والتنمية. ويبقى أكبر الخاسرين أحزاب ما كان يسمى بالكتلة؛ فحزب الاستقلال تراجع بـ14 مقعدا مقارنة مع 2011، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تراجع ب 19 مقعدا، والسبب الرئيس في اعتقادي هو المشاكل الكبرى التي تعرفها هذه الأحزاب على مستوى قيادتها وتنظيمها، وفي إطار أحزاب الكتلة دائما يبقى غريبا تراجع حزب التقدم والاشتراكية، الذي تراجع من 18 مقعد في 2011 إلى 12 مقعدا في انتخابات 7 أكتوبر. قلت يبقى ذلك غريبا على اعتبار أنه كان شريكا في الحكومة، وبما أن الحزب الأول في الحكومة عرف تزايدا، فقد كان الأسلم منطقيا أن يعرف التقدم والاشتراكية هو الآخر تزايدا وليس تناقصا. فهذا التراجع بين من جهة أن التصويت كان على أساس عاطفي وليس على أساس تحليل موضوعي لحصيلة الحكومة، ويؤكد ذلك أن الحزبين الآخرين أي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية هما الآخران تراجعا مقارنة مع انتخابات 2011، مع العلم أنهما لم يكونا في نفس قوة التحالف التي جمعت التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية. هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد فتح تراجع التقدم والاشتراكية المجال لتساؤل بعض المتتبعين هل تدخلت يد خفية لمعاقبة بنعبد الله ورفاقه على التحالف مع بنكيران وعلى حديثه هو الآخر عن التحكم، خاصة بعد ذلك البلاغ الشهير للديوان الملكي. ومن الملاحظات أيضا أن فدرالية اليسار لم تحصل على نتائج توازي حضورها الإعلامي في فترة ما قبل الاقتراع، ومن أسباب ذلك في اعتقادي محدودية إمكانياتها، وضعفها الجماهيري، ونوع الخطاب السياسي الذي لم يتطور كثيرا، والذي قد يرى فيه بعض الناخبين مسا بهويتهم.
وماذا عن نسبة المشاركة؟
تبقى نسبة المشاركة المعلنة ضعيفة بكل المقاييس، فهي من جهة أولى عرفت تراجعا عما تم تحقيقه في انتخابات 2011، ومن جهة ثانية فإن نسبة 43 في المائة لا تعكس حقيقة المصوتين من مجموع الناخبين، لأنها فقط محتسبة من عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، علما أن عدد المسجلين لا يتجاوز 16 مليونا من مجموع ما يزيد عن 26 مليون مواطن يفوق سنهم 18 سنة، فحتى إذا حذفنا بعض الفئات التي لا يحق لها التصويت، فإن نسبة المشاركين من مجموع الناخبين، وليس فقط من مجموع المسجلين، تبقى ضعيفة جدا وربما لا تتجاوز 30 في المائة من مجموع المواطنين الذين يفوق سنهم 18 سنة. يضاف إلى هذا أن نسبة الأوراق الملغاة قد تصل إلى مليون صوت، أو تتجاوز ذلك، ويكفي أن نعرف مثلا أن في جهة ماسة درعة وحدها بلغ عدد الأوراق الملغاة أزيد من 78 ألف ورقة. مع العلم أن هناك تشكيك كبير حتى في تلك النسبة المعلنة على اعتبار أن وزارة الداخلية هي المحتكر الوحيد للمعلومات المرتبطة بنسبة المشاركة، وأنها لا تخضع في هذا المجال لأي مراقبة، اللهم مراقبة بعض نشطاء الفيسبوك الذين قدموا قراءات انطلاقا من النسب التي أعلنتها الداخلية طيلة يوم الاقتراع في اتجاه تفنيد تلك النسبة العامة المعلنة. وكان حري بوزارة الداخلية مثلا أن تلتزم بإعلان نسب المشاركة حسب الدوائر الانتخابية، خاصة وأن عدد هذه الدوائر لا يتجاوز 92 دائرة، وليس حسب الجهات، وأن يكون الإعلان عن نسبة المشاركة كل ساعتين، فهذا ربما كان سيساعد ملاحظي الانتخابات على مراقبة نسبة المشاركة بشكل من الأشكال.
ما دلالات استقبال الملك لأمين عام حزب العدالة و التنمية بُعَيْد 48 ساعة من الإعلان عن نتائج الانتخابات وتتويجه فائزا بها؟
من الناحية الشكلية، وبغض النظر عن الاختلالات الجوهرية في دستور 2011، يُعتبر ذلك شيئا مهما لأنه يُكرس عرفا دستوريا مفاده تعيين المسؤول الأول للحزب الفائز رئيسا للحكومة، علما أن الفصل 47 من الدستور لا ينص صراحة على تعيين المسؤول الأول، وإنما ينص فقط على التعيين من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب. فهذا يعتبر مسايرة للممارسات الدستورية الجاري بها العمل في هذا الصدد. والإسراع في ذلك التعيين يؤكد أن فوز العدالة والتنمية لم يكن مفاجئا، ويشير إلى أن الملك حريص على الظهور بمظهر المدبر الجيد للزمن السياسي، عكس الأحزاب السياسية التي ربما ستطول مفاوضاتها بشأن التحالف الحكومي. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن تعيين بنكيران رئيسا للحكومة يعني أن هذا الأخير قد استوعب الدروس وفهم الإشارت، سواء التي وردت على لسان الملك أو على لسان وزير الداخلية عند إعلان النتائج، ليزيد من وفائه للمؤسسة الملكية، ولنكون ربما مرة أخرى أمام رئيس حكومة همه الأول إرضاء القصر.
ما هي سيناريوهات التحالفات الحكومية الممكنة؟
باستثناء أمرين ألا وهما عدم تخلي السيد بنكيران عن حزب التقدم والاشتراكية، واستبعاد حزب الأصالة والمعاصرة من الأغلبية الحكومية، لا يمكن الجزم بمن هي الأحزاب التي ستدخل التحالف الحكومي والأحزاب التي ستبقى خارجه. لكن لاشك أن رئيس الحكومة سيبذل جهدا للحفاظ على الأغلبية السابقة، وإن كان ما يعرفه التجمع الوطني للأحرار من نقاشات على مستوى قيادته بين من يدافع عن الانضمام للحكومة ورافض لها يجعل احتمال عدم مشاركته في الحكومة واردا، على اعتبار أن هذا الأخير جعل في الآونة الأخيرة حليفه الأول هو حزب الأصالة والمعاصرة، ولعل تقديم مزوار لاستقالته بتلك السرعة وبتلك الطريقة المفاجئة يأتي في هذا السياق. وحتى في حالة استمرار التحالف السابق قد يضطر بنكيران للانفتاح على حزب خامس لتعزيز أغلبيته على اعتبار أن مجموع مقاعد التحالف الحكومي السابق (العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية) لا تتجاوز 201 مقعدا، وهو رقم، وإن انضافت إليه بعض المقاعد نتيجة الطعون الانتخابية، لا يوفر أغلبية مريحة، وقد يكون هذا الحزب الخامس إما الاستقلال أو الاتحاد الاشتراكي أو الاتحاد الدستوري. أما في حالة رفض التجمع الوطني للأحرار المشاركة في الحكومة فإن الأغلبية في هذه الحالة ستضم في غالب الأحيان بالإضافة إلى العدالة والتنمية كل من التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والاستقلال، وقد تضم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أيضا، وفي هذه الحالة الأخيرة ستكون أغلبية مريحة من الناحية العددية لأنها ستكون بمجموع مقاعد قد يتجاوز 230 مقعدا.
والمؤكد أن عدد الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة سوف لن يقل عن أربعة أحزاب وربما قد يتجاوز ذلك، مما قد يفضي مرة أخرى إلى تضخم في عدد الوزراء بسبب الترضيات والتوافقات. وسيكون السيد بنكيران في فترة المفاوضات في وضعية لا يحسد عليها، لأن جل هذه الأحزاب ستضغط للحصول على وزارات حيوية وبعدد يفوق حجمها لأنها تعرف حاجة رئيس الحكومة إليها، لذلك غالبا ما سيحرص هذا الأخير على سرية المفاوضات لما يتيحه ذلك من إمكانية للمناورة.
وهل ستختلف حكومة بنكيران 1 عن حكومة بنكيران 2 من ناحية الأداء؟
أعتقد أن حكومة بنكيران 2 ستكون استمرارا لحكومة بنكيران 1، ليس فقط على مستوى التشكيلة والأداء، وإنما أيضا على مستوى منهجية الاشتغال، وذلك بالنظر إلى استمرار نفس العوائق والحدود المحيطة بالعمل الحكومي، فبالإضافة إلى غياب الانسجام وتناقض الاتجاهات الإيديولوجية والسياسية بين الأحزاب السياسية التي ستشكل الحكومة، فإن هناك حدود أخرى ستكون على مستوى البرنامج الحكومي، الذي لن يستمد كل مرجعيته من البرامج الانتخابية للأحزاب المشكلة للحكومة، كما هو متعارف عليه ديمقراطيا، وإنما سيستند إلى مرجعيات متعددة في مقدمتها الأوراش والمخططات الملكية، ومنها تقارير وتوصيات بعض الهيئات، وأيضا تصورات خاصة لبعض الوزراء المحسوبين على القصر، بالإضافة إلى العائق المرتبط بالإدارة، والتي سوف لن تكون دائما لينة في يد رئيس الحكومة خاصة في بعض المجالات، كالداخلية والتعليم والأوقاف وغيرها.
هل يمكننا القول بأن حكومة بنكيران1 كانت نسخة للاستئناس واكتشاف الأغوار الحكومية، بينما حكومة بنكيران 2 للإنجاز؟
لا يمكن الجزم بذلك، على اعتبار أن هناك حدودا دستورية وسياسية من قبيل تلك التي أشرت إليها آنفا، تجعل دائما إنجاز الحكومة في حدود معينة. مما لاشك فيه أن السيد بنكيران وإخوانه قد خبروا بعض الملفات الحكومية، وسيعملون جاهدين انطلاقا من تقييم تجربتهم السابقة على استغلال بعض هوامش الإنجاز المتاح لهم، وهناك عامل سيساعدهم ألا وهو رئاستهم لمجموعة من الجماعات الترابية، لكن في المقابل حجم الضغوط في الولاية المقبلة سيكون أكبر؛ فمن جهة ستكون هناك معارضة برلمانية، أكثر مشاكسة من السابق، بالنظر إلى عدد المقاعد التي حصل عليها حزب الأصالة والمعاصرة. ولا يمكن الاستهانة بهذا الأمر بتاتا إذ يبقى من المحتمل في أي لحظة إحداث أزمة على مستوى البرلمان، ولعل ما حدث في الولاية السابقة على مستوى مجلس المستشارين يؤكد ذلك، وهذا ما قد يفسر ربما رغبة السيد بنكيران في توسيع التشكيلة الحكومية لعزل حزب الأصالة والمعاصرة. وبالإضافة إلى ذلك الضغط على مستوى البرلمان سيكون هناك ضغط آخر داخل الحكومة نفسها من قبل بعض الأحزاب المشكلة لها، على غرار ما حدث في الولاية السابقة من قبل حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار. وسيكون هناك لاشك ضغط ثالث في الشارع، خاصة في ظل استمرار تفضيل الحكومة للتوازنات الماكرو اقتصادية على حساب ما هو اجتماعي. وبالإضافة إلى هذه الضغوط سيكون هناك تحدي الموارد المالية، خاصة وأن الحكومة ستجد نفسها في حرج كبير أمام حجم الديون المتراكمة، ففي التجارب الحكومية السابقة، كانت كل حكومة تترك مشاكل الديون والبطالة وغير ذلك للحكومة التي تأتي بعدها، أما حكومة بنكيران 1 فقد تركت تلك المشاكل لحكومة بنكيران 2.
“التحكم” و”الدولة العميقة” وغيرها من المصطلحات والتعبيرات التي تداولتها حكومة بنكيران 1 هل يمكننا القول بأنها لن تتكرر لا سيما بعد فوز 7 أكتوبر أم أنها قد تعود ولكن في صيغ وتسميات جديدة؟ وهل سيكون لها صدى عند المواطن؟
العبارات التي استعملها السياسيون في هذا الصدد كثيرة منها المخزن وجيوب المقاومة وحكومة الظل والوافد الجديد والخروج عن المنهجية الديمقراطية والتحكم والدولة الموازية وغير ذلك من المصطلحات التي يعج بها القاموس السياسي المغربي، ولا أظن أن تلك المصطلحات ستختفي بالمرة مادامت دواعيها موجودة. ويمكن أن نلخص هذه الدواعي في سلطوية النظام السياسي وانغلاقه، قد يتغير المتحدثون بتلك العبارات بتغير المواقع في المشهد السياسي، وقد تكون هناك فترات صمت وهدنة، كما حدث بعد بلاغ الديوان الملكي الذي صدر في حق بنعبد الله بحيث لوحظ ابتعاد بنكيران عن استعمال مصطلح التحكم، لكن هذا لا يعني القطع مع تلك التوصيفات أو عدم ابتكار توصيفات جديدة مماثلة لأن ما يقع في الممارسة السياسية ببلدنا يدفع إلى ذلك، وهي ممارسة مرتبطة بطبيعة النظام السياسي المغربي، ومستمرة باستمراره. وأظن بأن المواطن، على الأقل المواطن الواعي لا ينتظر ترديد تلك العبارات التي أصبحت معروفة ومفهومة لديه، بقدر ما ينتظر العمل على تفكيك واقع السلطوية والانغلاق، وينتظر قرارات إيجابية على مستوى حياته الاقتصادية والاجتماعية. وهو التحدي الحقيقي الذي ستواجهه حكومة بنكيران 2.
هل سيتحرر بنكيران 2 من الضغوط التي كانت عليه أم أنه سيبقى وفيا لمنطق التوازنات والتحفظ في ممارسة صلاحياته الدستورية؟
الضغط الوحيد الذي ربما سيتحرر منه بنكيران هو ضغط الطمع في رئاسة الحكومة لمرة ثالثة. ففي الولاية السابقة لاشك كانت عينه على ولاية ثانية، أما في هذه الولاية فبكل تأكيد لا. وهذا قد يكون له بعض التأثير الإيجابي، ولكنه سيبقى تأثير جد محدود بالنظر إلى الضغوط التي سبق وأشرت إليها. ومن الضغوط التي ستبقى مقيدة لبنكيران هاجس تدبير علاقته مع المؤسسة الملكية فهو يعتبر كما عبر في حوار أخير له أن ما يربطه بها هو الشرع والدستور، وينطلق من قراءة أقل ما يقال عنها أنها جد محافظة للدستور والشرع معا، بحيث يعتبر أن الملك هو الحاكم ويعتبر أن وظيفته ووظيفة الحكومة هي مساعدة الملك، وصرح أكثر من مرة على أنه يُغلب منطق التوافقات على منطق التنازع، وإن كان ذلك على حساب النص الدستوري، وأظن أنه سيبقى إلى أبعد الحدود وفيا لذلك المنطق ومتحفظا في ممارسة صلاحياته الدستورية، لأنه يستبطن أن مستقبله في الحكومة ومستقبل حزبه رهين بالخضوع للأعراف والتقاليد المخزنية وليس رهين بالدستور المكتوب.
ما هي التحديات الآنية والأخرى المؤجلة التي تنتظر بنكيران 2؟
لا شك هناك تحديات كثيرة ستواجه بنكيران في ولايته الثانية؛ التحدي الأول هو المتعلق بتشكيل الحكومة، فإلى أي حد سينجح بنكيران في تشكيل حكومة بعدد وزراء معقول ووفق هيكلة حكومية تكون مساعدة على الفعالية وليست معرقلة لها، وتحدي الحفاظ على وحدة الأغلبية الحكومية سيبقى هو الآخر مطروحا طيلة الولاية الحكومية بقوة. وربما ستكون من أولويات الحكومة استكمال الترسانة القانونية وإصدار باقي القوانين التنظيمية التي لم تصدر بعد. وستواجه الحكومة منذ انطلاقها مجموعة من المطالبات الاجتماعية المتعلقة بالسكن والصحة والتعليم، خاصة بعد مشكل الاكتضاض الذي طبع انطلاق الموسم الدراسي الحالي. وربما سيكون من الضروري استئناف الحوار الاجتماعي نظرا لتحركات الشارع التي يمكن أن تزداد خاصة بعد أن لمس الكثير من الموظفين تأثير الاقتطاعات المتعلقة بالتقاعد، وستجد الحكومة نفسها أمام مجموعة من الملفات الحقوقية التي لا تزال عالقة منذ الولاية السابقة. وتبقى أكبر التحديات مرتبطة بالتشغيل والدين العمومي، حيث عرفت نسبة البطالة والدين تزايدا متواليا في الولاية السابقة، فإلى أي حد ستستطيع حكومة بنكيران2 الحد من ذلك التزايد؟ خاصة وأن بعض المعطيات الاقتصادية التي كانت مساعدة للحكومة السابقة قد يطرأ عليها بعض التغيير، الذي ربما يكون في غير صالح الحكومة المقبلة، وأخص بالذكر أسعار البترول والمساعدات الخارجية خاصة من دول الخليج والمواسم الفلاحية.
هل سنشهد معارضة حكومية شرسة وعلى أي أساس قد تبني المعارضة خطابها السياسي؟
الجواب على هذا السؤال مرتبط بمعرفة مآل التحالف الحكومي، لكن على العموم يبدو أنه ستستمر نفس الاختلالات البنيوية التي طبعت المعارضة البرلمانية في السابق، وتتمثل هذه الاختلالات أولا في عدم تفاهم أحزاب المعارضة وفي غياب أي تحالف مبدئي بينها، وثانيا في عدم امتلاك مشروع سياسي واضح وخطاب مقنع. لا شك ستعمل المعارضة البرلمانية على الاستفادة من تجربتها السابقة لكن فعاليتها مرتبطة إلى حد كبير بفعالية الأحزاب السياسية المشكلة لها، فإذا كانت هذه الأحزاب تعرف أزمات على مستوى قيادتها ومشاريعها وتنظيمها فلا شك سينعكس ذلك على أداء المعارضة البرلمانية. بقي أن أؤكد، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، أن التزايد العددي لنواب الأصالة والمعاصر قد يزيد من حدة المشاكسة داخل مجلس النواب. وهذه المشاكسة لا تعني طبعا أن المشهد السياسي سيتم اختزاله في ثنائية قطبية بين حزبي الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية كما تم الترويج لذلك قبل يوم الاقتراع، لأن هناك قوى سياسية من داخل الحقل السياسي الرسمي ومن خارجه لا تجد نفسها في تلك الثنائية وتعتبرها مصطنعة.