الرفق و المرأة مقاربة منهاجية في فكر الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله 1

Cover Image for الرفق و المرأة مقاربة منهاجية في فكر الإمام المجدد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله 1
نشر بتاريخ

يعتبر الرفق من المفاهيم الحاضرة بقوة في المشروع التجديدي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، فلا يخلو كتاب من كتبه إلا وفيه ذكر للرفق، سواء بذات اللفظ أو بغيره من الألفاظ التي تهدف إلى نفس المعنى.

يقول الإمام رحمه الله: كلمة رفق الغنية بدلالاتها تتطلب ترجمتها استحضار كل مفاهيم القرآن و السنة، إضافة إلى المثال الحي الذي قدمه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في سيرتهم.) 1

الرفق إذن مفهوم منهاجي له أصل في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم، وقد تمثل ذلك المفهوم واقعا في سيرة كل الأنبياء عليهم السلام. من لدن سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين.

” فسيكون من الوجيه إذن أن تلجأ الترجمة المفسرة إلى مقابلة لفظ الرفق بالكلمات التالية: “الحلم، اللين، السماحة، الطيبة، العطاء، العفو، الشفقة .” 2

إن مفهوم الرفق مفهوم محوري في مشروع الإمام عبد السلام ياسين، فسواء تحدث الإمام في التربية أو في التغيير أو في السياسة أو في الاقتصاد أو عن المرأة أو في غيرها من المواضيع و القضايا التي تناولها في مشروعه، إلا و نجدها متمركزة حول مفهوم الرفق و دلالاته الأخرى.

يقول الإمام رحمه الله: ” الرفق هو المنهاج الإسلامي”، ووازع القرآن و الدعوة أسبق” 3

ويقول في مقام آخر: “ليكن الرفق سمتنا الواضحة وشارتنا البائحة ” 4

المحور الأول : موقع الرفق في المشروع التجديدي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

أولا: الرفق و التربية

ثانيا : الرفق و التغيير

المحور الثاني : موقع الرفق في المشروع التنويري للمرأة

أولا : الرفق و بناء الأسرة

ثانيا : الرفق و بناء الأمة

المحور الأول : موقع الرفق في المشروع التجديدي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

التجديد هو إحياء لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بما تمثله من تطبيق عملي للدين كله، هو إحياء لمعاني الإيمان بالله تعالى و باليوم الآخر، كما أنه إحياء و استنهاض للأمة لتنال و تحقق فيها الخيرية التي حباها الله بها.

ولقد كان الجمع و الوصل بين الاحياءين هو من أهم معالم التجديد، روى الإمام أحمد وحسنه السيوطي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الإيمان ليخلق في القلب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم”، وفي رواية أخرى: ” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم” 5

روى أبو داود والبيهقي والحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها .”

روى الإمام أحمد و الطبراني، والحديث صححه السيوطي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” جددوا إيمانكم قيل: يا رسول الله و كيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله “،هذه الأحاديث النبوية نظر إليها الإمام و قرأها أفقيا مستحضرا قوله صلى الله عليه و سلم: ” من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”، فتحصل لديه رحمه الله أن “الإيمان يبلى فيجب تجديده، ويضعف فيتعين تقويته، وأن الأمة تكلؤها عناية الله فيبعث سبحانه لها من يجدد لها دينها، وأن الإيمان يعالج من بلاه و ضعفه بطب موصوف لا لبس في كنهه وماهيته ووسيلته. 6

فلا يتحقق تجديد الدين إلا بتجديد الإيمان فهو الباعث و الموجه و الضامن بأن يكون تجديدنا لأمر الدين في شموليته تجديدا على منهاج النبوة.

” فالتجديد المطلوب للأمة هو تجديد بواعثها لتقوم، أفرادا تجدد إيمانهم بالتربية، وجماعة تجددت قوتها بتجدد بواعث أعضائها الإيمانية بواجب الجهاد و اقتحام العقبة”. 7

فأين الرفق من كل ما سبق ؟

يجيبنا الإمام رحمه الله بقوله: “كان محمد صلى الله عليه وسلم مؤيدا معصوما، وكانت مزايلة الجاهلية وهي ظلام بين، والخروج إلى الإسلام وهو نور ساكع، بنزول الوحي و حضور المصطفى القائم بالقسط. أمرا فاصلا له حدود واضحة.

أما التجديد من فتنة وهي غبش معتم غامض إلى إسلام يختلف الناس في فهمه، ويتفاوتون في إدراك ما يعنيه بالنسبة للفرد و المجتمع والسياسة والاقتصاد والحياة اليومية، فأمر شاق يطلب رفقا وتدرجا، إن آثرنا البناء على الكسر، والسير الثابت على القفز، لاسيما وقد انقطع الوحي، وانتفت العصمة، وعظم الخطب من كل جانب” 8 .

الرفق إذن وما يحمله من معاني التدرج والأناة والحلم ورحمة الخلق، هو أمر آكد ولازم في عملية التجديد، لا على مستوى تجديد الإيمان و لا

على مستوى تجديد الدين.

فإن سيادة السلوك الإيماني على المجتمع في كل مستوياته لن يتم ضربة لازب. فلس التحويل الإسلامي مسرحا يرفع معه ديكور ليوضع ديكور، يخرج المجرمون ليدخل الأتقياء البررة ” 9

أولا : الرفق و التربية

تحتل التربية بمفهومها الشمولي الصدراة في المشروع التجديدي للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، فهي الأس والأساس لكل حركة تغييرية تبتغي رضا الله سبحانه، ثم تحقيق موعود رسول الله صلى الله عليه و سلم في إقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة.

فالتربية باعتبارها “سماع فطري و صحبة عملية، وملازمة و أخذ عن أكابر العلم الإيمان” الإحسان ج 1 ص 114 تستلزم صحبة رفيقة تأخذ بيد التائب بحلم و أناة وصبر و تدرج في مراتب الدين، إسلام ثم إيمان ثم إحسان.

” فالتربية معالجة لمادة إنسانية، وشخصية لها ماض وبيئة اجتماعية واستعدادات، هذه المعالجة تريد من المربي حلما كثيرا و صبرا و مداراة و تنويعا في أساليب التأثير “. 10

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فيكون من صلب التربية والتعليم النظر في أمثلة حلمه صلى الله عليه وسلم وأناته وصبره وتحمله وشفقته على الخلق ليكون ذلك لنا نموذجا يحتدى، فإننا لن نسع الناس وينفتح لنا الناس إن تقدمنا إليهم بالوجه العابس والتشديد والتعسير.

وفي السيرة المطهرة أمثلة رفيعة في رفق رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الناس دينهم، وتدرجه بهم، وحلمه على ذوي الطباع الخشنة وقليلي الفقه “. 11

ثانيا : الرفق والتغيير

إن نظرة الإمام رحمه الله للتغيير تستند في أساسها على قانون التغيير القرآني، يقول سبحانه وتعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وبالتالي فإن تغيير الواقع في مستوياته المتعددة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية … ، هو مرتبط بل متوقف على تغيير ما بالنفس أو بتعبير آخر متوقف على التربية،

قال رحمه الله :” وكل تغيير في السياسة والاقتصاد فإنما هو تبع لهذا التغيير الكلي الجوهري للإنسان ونفسيته وعقيدته وأخلاقه وإرادته ” إمامة الأمة ص: 88 ، فإذا كانت حاجتنا إلى الرفق شديدة أثناء التربية، فإننا إلى الرفق أشد حاجة أثناء التغيير يقول رحمه الله :” تريد تغيير واقع أليم لا يغير العنف إلا المظاهر والهياكل النخرة ” 12

وقد ميز الإمام بين مرحلتين أساسيتين في عملية التغيير، مرحلة ” نزع قوة السلطان من الأيدي الخبيثة “، وهي التي لخصها في مفهوم القومة، ثم مرحلة ما بعد القومة، وأكد رحمه الله أن الرفق مطلوب فيهما معا، يقول رحمه الله:”الأمناء الموعودين بالخلافة الثانية لفي أمس الحاجة إلى تؤدة الصبر والأناة وكظم الغيظ لإحقاق الحق وبناء الأمة، بقدر ما هم بحاجة إلى القوة العازمة المنضبطة لإبطال الباطل …هذا الباطل لا صبر عليه إلا بمقدار ما يكون الصبر دؤوبا على العمل من تحته لنسف أصوله، ومعظم هذا العمل الناسف إيقاظ الأمة، وتأليف حزب الله، والتبشير بالإسلام.” 13

ويضيف رحمه الله : ” أما بعد نزع قوة السلطان من الأيدي الخبيثة فحاجة المؤمنين المحسنين لتؤدة الرفق وكظم الغيظ والعفو عن الناس تزداد إلحاحا. ذلك أن ماضي الفتنة لابد وأن يخلق آثاره الفاسدة المفسدة المتمثلة في أقوام بأعيانهم وفي تضامنات وعصبيات ومصالح متحجرة مشتبكة مع مصالح جمهور الأمة.

فالحل العنيف الصراعي الثوري الذي يوصي بالقتل و السفك وتخريب بيت كل من انتمى للماضي حل غير إسلامي”. 14

إن التخوف الذي يبديه البعض من الإسلام، خصوصا عندما يطرحه بعض ” الإسلاميين ” منهاجا للتغيير هو في جانب منه تخوف مشروع، فبغض النظر عن التشهير و الدعاية المغرضة التي يتعرض لها الإسلام من أعدائه و خصومه، فإنه لا يمكن أن ننكر أو نتجاهل أن المسلمين أنفسهم أو بعض من ينتسب إلى التيار الإسلامي يقدمون بحسن نية أو سوء نية، صورة مشوهة عن الإسلام، يوق الإمام رحمه الله: ” شرى العنف وتفاقم في العالم، وكان لبعض الإسلاميين انسياق مع منطق العنف ..العنف يأتي من سوء الطبع العنيف، كما يأتي من سوء الفهم للواقع ” . 15

ولقد أصبح من آكد مهماتنا ونحن نبشر بغد الإسلام، الحرص على أن يكون خطابنا خطاب طمأنة للآخر. يقول الإمام رحمه الله : ” في رفق الإسلام سعة، وفي باب التوبة انفتاح ليرجع أعداء الشعب المسؤولون أمس الفتنة عن توحيل الشعب و ظلمه إلى الله في غد الإسلام. جسم الأمة مريض، لكن آثرنا أن نعبر إلى ما نريده بقصة سفينة يعاد ترتيبها. وتصحح وجهتها وترحض مياهها، لكي لا نتحدث عن العملية الجراحية، وعن العنف الذي لا تنفك عنه ثورة الثائرين، وتريد قومتنا أن تتجنبه ” . 16

” …استعادة الثقة، والنزول إلى الشعب وتربية الشعب “. 17

على أن الإمام رحمه الله لم يترك الفرصة تفته ليوضح أكثر مقصوده من الرفق، يقول رحمه الله: ” ليس الرفق هو السكوت عن الماضي جملة، فلابد من رد المظالم ولا بد من كنس القمامة، ولابد من التغيير الجذري، والرفق في هذه العمليات والأناة فيها، وحقن الدماء هي الحكمة المطلوبة ” . 18


[1] الإسلام و الحداثة ص 222
[2] الإسلام و الحداثة ص 222.
[3] العدل ص 289.
[4] العدل ص 429.
[5] رواه الطبراني في الكبير و الحاكم في المستدرك.
[6] المنهاج النبوي ص 31
[7] المنهاج النبوي ص 31.
[8] المنهاج النبوي ص 314
[9] المنهاج النبوي ص 314.
[10] المنهاج ص 293.
[11] المنهاج ص 293.
[12] رسالة إلى كل طالب وطالبة ص:19
[13] ص: الإحسان 2_315.
[14] الإحسان 2.315
[15] العدل ص 425
[16] المنهاج النبوي ص 246
[17] المنهاج النبوي ص 246
[18] الإحسان 2 ص 351