الزواج آية من آيات الله

Cover Image for الزواج آية من آيات الله
نشر بتاريخ

التفكر في آية الزواج

من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة أنّه خلق الإنسان من تراب، ومنحه القدرة على الاستخلاف في الأرض ليعمّرها عبادة وتبجيلا. فالإنسان، بهذا الخلق، مُكلّف بمهمة سامية، وهي إقامة الحياة وفق مراد الله، واستثمار قدراته وطاقاته في سبيل نجاح هذه الحياة دنيا وآخرة.

ومن آياته جلّ وعلا أيضا أنّه خلق النفس زوجين: الذكر والأنثى، ولم يشأ أن يترك الإنسان غرائزه بلا وعي، أو أن يجعل اتصال الذكر بالأنثى فوضويا وغير منضبط. لذلك جاء الشرع الحكيم ليضع الضوابط الكاملة لهذا الاتصال، فشرع الزواج كأسمى صلة شرعية تحفظ للإنسان كرامته، وتضمن له الاستقرار النفسي والعاطفي، وللمجتمع قوته وتماسكه. فالزواج ليس مجرد ارتباط عاطفي أو اجتماعي، بل هو نظام متكامل أعدّه الله لتنظيم العلاقات الإنسانية وحماية النسل، وإقامة الأسرة باعتبارها وحدة أساسية في المجتمع.

وقد اختار الله سبحانه الزواج كأسلوب للتوالد والتكاثر واستمرار الحياة، بعد أن أعدّ كلا الزوجين، جسديا ونفسيا وروحيا، للقيام بدورهما في هذا النظام. فالزوجان يهيآن لتحمل مسؤولياتهما المشتركة، سواء في تربية النسل أو الحفاظ على استقرار الأسرة، بما يتوافق مع فطرة الإنسان وأحكام الشرع.

كما جعل الله بين الزوجين مودة ورحمة، تتدفق برفق وانسجام، فتنشأ روابط جديدة، وتقوى المشاعر الإنسانية الرفيعة تدريجيا، لتثمر أسرة مطمئنة، قائمة على الحب والاحترام المتبادل. وهذا النظام الإلهي البديع يُظهر حكمة الله في تنظيم حياة الإنسان، ويضمن توازن العلاقات بين الجنسين، ويحمي المجتمع من الفوضى والانحراف، ويعزز الكرامة الإنسانية ويحقق الاستقرار الاجتماعي.

بداية الزواج كلمة

من أبرز أسباب التدبّر في آية الزواج أنّه يبدأ بكلمة، هي قول ولي المرأة لخاطبها: «زوجتك فلانة»، وإجابة الخاطب: «قبلت»، مع وجود شاهدين عدلين من الرجال المسلمين. هذه الكلمات البسيطة تحمل معاني عميقة: فهي تربط بين الرجل والمرأة بعهد شرعي، وتنشئ علاقة قائمة على الرضا المتبادل والالتزام الواعي. قبل هذا العقد، كان كل من الرجل والمرأة أجنبيين عن بعضهما، ولكن بهذه الكلمة البسيطة يتحوّل الغريب إلى شريك حياة، ويبدأ فصل جديد من المسؤوليات والحقوق والواجبات.

سبحان الله العلي العظيم الذي قرب البعيد بكلمة، وأدنى النائي بعبارة. فهذه الكلمة ليست مجرد إجراء شكلي، بل بداية عهد وحياة جديدة، تؤسس على رضى كل طرف وإيجابه وقبوله. وهي بمثابة إعلان شرعي وأخلاقي يضع إطار العلاقة بين الزوجين، ويضمن احترام حقوق كل منهما، ويحول العلاقة بينهما إلى رابطة مقدسة قائمة على المودة والرحمة، كما أراد الله تعالى.

بهذا النظام الإلهي، وُضع للغريزة الإنسانية سبيل مأمون. فالزواج يحمي الإنسان من الانحراف، ويوجه رغباته وفق ضوابط شرعية تضمن كرامته وكرامة الطرف الآخر. كما أنّه يحمي النسل من الضياع، ويضمن أن يكون الاستمرار في الحياة البشرية ضمن إطار كريم ومنضبط.

كما يُسهم الزواج في صون المرأة، وحمايتها من أن تصبح كلاء مباحًا لكل خاطب، ويؤكد مكانتها كشريكة كاملة في الحياة الزوجية، تساهم بخبرتها وعاطفتها وغريزة الأمومة في بناء الأسرة. كما تحمي الأبوة العاطفة والرعاية للزوجة والأبناء، فتنشأ الأسرة وحدة متماسكة، وتصبح نواة صلبة لمجتمع آمن ومستقر.

ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن كلمة الإيجاب والقبول ليست مجرد لغة، بل هي آلية إلهية لبناء الأسرة والمجتمع، فهي تضع الأساس الشرعي والنفسي والاجتماعي لكل علاقة زوجية، وتضمن استمرار الحياة البشرية ضمن إطار رحمة ومودة وإحسان.

إن الزواج آية من آيات الله تتجلّى فيها حكمته ورحمته بعباده، فهو وسيلة للتكاثر، وتنظيم الحياة، وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي، وضمان الكرامة الإنسانية. والتفكر في هذا النظام الإلهي يزيد الإنسان إدراكًا لعظمة الخالق، ويحفزه على احترام العلاقة الزوجية، والمحافظة عليها، ليبقى البيت نواة صالحة لمجتمع متماسك وعادل.