من نافلة القول التأكيد أن تاريخ الشعوب لا يقاس فقط بما سجلته صفحاته من أحداث، بل بما خلفته تلك الوقائع من آثار عميقة في الوعي الجمعي، وبما أحدثته من تحولات فارقة في مسارها التاريخي.
في هذا السياق، يبرز حدث السابع من اكتوبر بوصفه لحظة فارقة في مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ إذ جاء طوفانا من الكرامة اجتاح ركائز المسلمات، واقتلع ما ترسخ طويلا في الوعي العالمي من صور مشوهة ومفاهيم مختلة.
وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا؛ إن المكسب الأبرز الذي انبثق من رحم هذا الحدث الجلل، تمثل في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي، بعد سنوات من التهميش والتغييب الممنهج، لتتقدم مجددا كقضية تحرر وحق تاريخي، لم يعد ممكنا تجاوزه أو الالتفاف عليه.
ومنذ تلك اللحظة، توالت الأيام الدامية، لتفتح الباب على واقع جديد، تبدلت فيه المفاهيم، وتصدعت فيه الثوابت، وأعادت تشكيل الوعي الشعبي في مناطق واسعة من العالم، خاصة لدى الأجيال الشابة والمجتمعات الأكاديمية والمنظمات الحقوقية. فقد بدأ يتشكل خطاب مغاير، أكثر عمقا وجدية، يطرح أسئلة جوهرية عن معنى العدالة، وعن جدوى مقاربات السلام التقليدية التي أثبتت عجزها، وانكشفت حدود فاعليتها مرة تلوى الأخرى.
في خضم هذه التحولات، تمكنت المقاومة من فرض معادلات جديدة في الميدان والسياسة، وأصبح من الصعب على كثير من الفاعلين الدوليين الاستمرار في تبني الخطاب القديم دون مساءلة، كما بات الصمت العربي بكل ما فيه من خذلان وتواطؤ، موضع نقد شعبي متصاعد.
واليوم بعد مرور عامين، تفرض الذكرى نفسها كفرصة حقيقية للتأمل في عمق الأزمة وتفكيك أوهام السلام المزعوم. فهل يمكن أن يبنى السلام على أنقاض الدماء والأشلاء؟ وهل يكفي التنديد اللفظي دون فعل حقيقي؟
إن السابع من أكتوبر؛ ضربة القرن التي أطلقها شعب يقاوم من أجل حريته وكرامته، وإن كان العالم قد فشل حتى اليوم في إنصافه، فإن التاريخ لن يرحم، والذاكرة لن تمحو الحقيقة.