السر في الحبيبة

Cover Image for السر في الحبيبة
نشر بتاريخ

وأنا أحضر تأبين الحبيبة لالة حبيبة، أبهرتني وأخافتني شهادات عديدة في حقها تبين لنا أننا فعلا فقدنا “غائبة حاضرة” كما قالت إحدى الأخوات الكريمات.

أبهرتني لأنني اكتشفت جندية مجاهدة بالأمس كانت هنا وبين ظهرانينا وعلى مرأى ومسمع منا، واليوم قد رحلت إلى دار المستقر ولم يبق لنا منها إلا ذكراها وعملها الصالح.

وأخافتني لأنني خشيت أن أخون العهد والبيعة والأمانة؛ عهدا عاهدت به الله عز وجل قبل أن أعاهد إخواني وأخواتي في هذه الجماعة، وبيعة بايعت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على التروك الست أتخلى فيها عن منهي عنه وأتحلى بالخصال الحميدة الطيبة، وأمانة حملنيها الله وحملتها فخشيت خيانتها، لا قصدا ولكن غفلة وسهوا.

ومن بين الشهادات المؤثرة شهادة زوجها ورفيق دربها وأب أبنائها الأستاذ محمد أوراغ، شهادة صادقة نابعة من القلب مختلطة بعبرات وألم فراق وشجن… فكان السؤال الملح الذي خرج بكل عفوية وصدق: هل سيبكينا أزواجنا إن سبقناهم للدار الآخرة؟

كانت دهشة الأخوات وابتسامتهم هي الجواب، ربما استحيين أن يجبنني على استحياء منهن، لكن الجواب واضح وصريح، إذ سرعان ما أجابتني نفسي اللوامة، والتي استيقظت لروعة ما سمعت عن حبيبة زرعت فحصدت، أجابتني قائلة: كوني (كلالاك) حبيبة في صدقها وجهادها وبذلها وحبها واحتضانها وصبرها ومجموع خصالها، حينذاك ستبكيك الأرض والسماء والشجر والحجر، وسيقذف ربك في قلب البشر (ومنهم زوجك) حبا يجعلهم يرثونك بحالهم ومقالهم.

فهل لك سر عند الله في حياتك يظهر أثره بعد مماتك يخلد ذكراك بين حبيباتك وتكون كحبيبتك؟

فما لالة حبيبة إلا مثال لمجاهدات معاصرات اشرأبت أعناقهن لأمثلة الصحابيات الكاملات فغرفن من ذاك المعين وبلغن الكمالات تدرجا وليس تحليقا.

مسلمات، مؤمنات، ثم محسنات بفضل الله ومنته عليهن، صدقن الله فصدقهن، بداية بليل تبتل مع المولى عز وجل، ينعكس فضله على يومهن المبارك الميسر.

أخوات حبيبات تركن الدنيا قبل أن تتركهن، وعمرن قبورهن قبل أن يدخلنها، وأرضين مولاهن قبل أن يلقينه، فطوبى لهن، وجعلنا مثلهن وعلى دربهن إنه ولي ذلك والقادر عليه.

فهلا سألت نفسك أيتها اللبيبة: كيف السبيل وما الحيلة؟

هلا شمرنا معا عن ساعد الجد وحافظنا على الأمانة صادقات غير مبدلات، متحليات بخصال عشر أولها صحبة وجماعة وذكر وصدق؟

فاللهم اجعلنا من الصادقات والصادقين، وارزقنا اليقين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. يقول الحق سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات 56.